مرّت الاختبارات بمراحل متعدِّدة، وكانت تتم بأجواءٍ يسودها التوتُّر والحذر، وبإجراءات معقّدة ومكلّفة تجعل الطالب يعيش في حالة من الرعب والفزع، فمن أشدّها أنّ الطالب في الصف الثالث ثانوي لا يختبر في مقر مدرسته بل ينتقل إلى مدرسة أخرى، ولك أن تتخيل المعاناة في ذلك، وتنتهي بإعلان أسماء الناجحين عن طريق التلفاز والإذاعة، وبينهما من الهيلمان الذي يشيب له الرأس .. واستمرت معاناة الاختبارات بطرق مختلفة حتى وقتنا الحاضر، فما يعانيه الطالب أثناء فترة الاختبارات، خاصة طلاب الصف الثالث ثانوي، لا يكاد يُوصف، ففي كل عام نسمع ونقرأ ما يصاب به بعض الطلاب بسبب الاختبارات من حالات نفسية، كالقلق والخوف واليأس، حتى وصل الأمر ببعضهم إلى ترك الدراسة، بل المجتمع يدخل في دوّامة بسببها، وتعلن الأُسرة التي لديها طالب في الصف الثالث ثانوي، حالة الطوارئ لمدة عام كامل، ويزداد الأمر سوءاً مع بداية الاختبارات، وبعد التغيُّر في المفاهيم، والرغبة في التطوير، ووجود عوامل عديدة أدّت بمجملها إلى إلغاء مركزية اختبارات الصف الثالث ثانوي، مع إقرار العمل بالتقويم المستمر للمرحلة الابتدائية، فكثير من المختصين يرون أنّ هذا القرار قرار صائب لما له من مميّزات يطول ذكرها في مثل هذا المقام، مع أنّه لا يزال عند بعض المهتمين بشؤون التعليم ومستقبله، والحريصين على المستوى التحصيلي للطلاب، استفسارات مقلقة من أهمها: ما هو البديل لإلغاء مركزية الاختبارات، وإقرار التقويم المستمر؟ وبمعنى آخر هل هذه القرارات ستصبُّ في النهاية إلى تطوير التعليم، وتحسين مخرجاته؟ وكيف ستفعّل الأساليب والطرق للتمييز بين المدارس والطلاب لمعرفة الفروق الفردية بينهم لإعطاء كل ذي حق حقه؟ وكيف سيتم الاهتمام بالجودة التعليمية لتزويد الطالب بالمهارات والمعارف، وغرس قيمة التعلُّم لديه دون الاهتمام بالدرجات والشهادات الجوفاء؟، ولعلّ البديل لذلك وبه تنتفي السلبيات المأخوذة على إلغاء المركزية وإقرار التقويم، وبه يتم الاهتمام بالجودة التعليمية لكسب المهارات والمعارف بمصداقية، دون الركض خلف سراب تجميع الدرجات للحصول على نسب عالية بمخرجات متدنية هو تفعيل دور كل من:
1 - المركز الوطني للقياس والتقويم: بتنوُّع وتعدُّد وشموليّة اختباراته، فالدور المعقود عليه كبير جداً في التعرُّف على قدرات الطلاب، وفتح المجال لمن لم يحالفه الحظ في التحصيل العلمي وقدراته عالية لمواصلة مسيرته الجامعية - ففرق بين التحصيل والقدرات - لا سيّما وأنّ المدارس متفاوتة في منح الدرجات.
2 - وزارة التربية والتعليم: بصياغتها للمناهج بطريقة تناسب متطلّبات العصر، وبأسلوب يوافق طريقة اختبارات مركز القياس والتقويم المتنوّعة والمتعدِّدة.
3 - تطبيق مشروع الاختبارات الوطنية لجميع مراحل التعليم العام: فبه يتم تشخيص وضع التعليم في المدارس، واكتشاف نقاط الضعف من القوة، وقياس ما أتقنه الطالب من مهارات وكفايات، والوقوف على جودة الأداء التعليمي كي يتم العلاج والتطوير.
4 - السنة التحضيرية في الجامعات: و بها يتم إعداد الطالب إعداداً يؤهِّله للاستمرار فيها، والتعرُّف على قدراته وميوله، والتمييز بين الجاد من المتلاعب، والقضاء على كثير من مشكلات الطالب الجامعي.
5 - الإعلام: بعقد الندوات والبرامج، وبث الرسائل التثقيفية لأولياء الأمور، حول أهمية دورهم في توجيه أبنائهم، ومتابعتهم، وغرس حب العلم والتعلُّم لذات التعليم، وأنّ قيمة الإنسان بما يحمله من علم ومعرفة.
إنّ ما ذُكر يجعل الطالب يسعى لكسب المهارات والمعارف، ويبحث عن التعلُّم الحقيقي لا البحث مع وليّ أمره عن من يكثر من إعطاء الدرجات دون وجه حق.
malqwehes@gmail.com