كثير من الناس يظن أن هذه الكلمة لا تقال إلا لمن يتطاول إلى منزلة أرفع من منزلته, أويدَّعي فضيلة ليس منها ولا هي منه؛ فيقولون له: اعرف قدر نفسك, أورحم الله امرءاً عرف قدر نفسه. |
وكثير من الناس يركن إلى هذا الخاطر؛ فإذا أسند إليه عمل وهو قادر عليه، تنصل منه، وربما قال: رحم الله امرءاً عرف قدر نفسه. |
والحقيقة أن هذه الكلمة وأمثالها تقال فيمن يرفع نفسه فوق قدرها، وتقال - كذلك- فيمن ينزلها دون منزلتها؛ فالذي يرفع نفسه فوق قدرها إنما يرهقها، والذي ينزل نفسه أقل من قدرها يضيع إمكاناتها سدى. |
وأما الذي يَقْدُرُ نَفْسَهُ حقَّ قدرها فإنه يضعها في مكانها دون إرهاق لطاقتها ودون إهدار لمميزاتها؛ فلا يقتصر على تذكر جوانب الضعف فيها؛ لأن ذلك يقود إلى المبالغة في احتقارها، وبالتالي تحجم ولا تقدم. |
بل يتذكر مع ذلك جوانب القوة والإبداع فيها؛ حتى تنبعث إلى الإقدام على ما يليق بها. والعاقل السوي الذي ينظر الأمور كما هي - هوذاك الذي يسير على حد الاعتدال؛ فلا يُغَرُّ بما أوتي من ذكاء، وعلم، وقوة؛ فيزعم لنفسه كل فضيلة، ويتطاول بغروره إلى كل منزلة. |
ولا يركن في الوقت نفسه إلى جوانب الضعف فيه؛ فيقوده ذلك إلى المبالغة في احتقار نفسه، وازدراء إمكاناته ومواهبه؛ فيقعد عن كل فضيلة، ويعيش في هذه الحياة وكأنه هملٌ مضاعٌ، أو لقىً مزدرى. |
ولم أرَ في عيوب الناس شيئاً |
كنقص القادرين على التمام |
د. محمد بن إبراهيم الحمد |
|