الرياض - الجزيرة
أجمع عدد من الأكاديميين والمتخصصين في علوم المال والاقتصاد على الآثار الخطيرة لظاهرة الإرهاب والتطرف على مقدرات الشعوب وثرواتها واقتصادياتها، مؤكدين إن اقتصاد الدول ونموها لا يتحقق ولا ينمو ولا يزدهر إلا في ظل استتباب الأمن واستقرار الأوضاع.
ولفتوا - في أحاديث لهم - أن الدول في ظل الأوضاع الإرهابية توجه كثيراً من ميزانيتها لمواجهة هذه الظاهرة كانت في الأساس ستنفق على مشروعات التنمية ورفع مستوى الفرد والمجتمع في جميع المجالات.
ضرب الاقتصاد الوطني
ففي البداية يؤكد الدكتور زيد بن محمد الرماني (المستشار الاقتصادي وعضو جمعية الاقتصاد السعودي) أن الإرهاب أصبح أحد أخطر مشكلات القرن الحالي، ومن أهم الظواهر التي تعاني منها المجتمعات الإنسانية في الوقت الحاضر، لما يعكسه من آثار سلبية في سبيل تقدم الأمم وازدهارها، والإرهاب ظاهرة عالمية، ويعتبر مصدراً خطيراً على اقتصاديات الكثير من بلدان العالم، حيث إن تدمير الاقتصاد والدخل الوطني جراء الهجمات الإرهابية سوف يضر باقتصاد الوطن كله.
وأشار إلى أن عدة دراسات وأبحاث أجريت وخصصت لقياس تأثير الأعمال الإرهابية على اقتصاديات المجتمع ومازالت تواصل أعمالها البحثية، وقد خلصت إلى مجموعة من الأرقام والإحصاءات المهمة، منها على سبيل المثال:
أولاً: تقدر لوريتا نابوليوني في كتابتها عن الإرهاب باعتبارها خبيراً اقتصادياً، تقدر الاقتصاد والجديد للإرهاب في الوقت الراهن بنحو 5.1 تريليون دولار، سواء من خلال التحويلات القانونية أو غير المشروعة.
ثانياً: التقديرات الأولية في إحدى الدول العربية تشير إلى خسائر تتجاوز 12 مليون دولار على الأقل شهرياً، ومع كل يوم تزداد التقديرات والتوقعات بمزيد من الخسائر الاقتصادية، النقل والسياحة والنفط والصيد والبيئة وقطاعات أخرى أوجعها حقد الإرهاب والفاتورة يدفعها المواطن الذي تسعى الحكومة لتحسين أوضاعه.
ثالثاً: قدر بريان ويسبوري الأضرار الاقتصادية الناشئة من أحداث الحادي عشر من سبتمبر بـ 120 مليار دولار، كما أحدثت قلقاً مالياً أثر على العافية الاقتصادية في أمريكا.
أما عن آثار العمليات الإرهابية على الاقتصاد فيمكن القول - بصفة عامة - أن الإرهاب عدو للتنمية ولا يجتمعان مطلقاً، ومن هنا فإن خطر الإرهاب المباشر، يتمثل في ضرب الاقتصاد الوطني الذي هو شريان الحياة للمجتمعات، وعلى سبيل المثال: ضرب المطارات والموانيء أو ضرب السياحة ومنشآت النفط، ومن ثم تدمير المجتمع كله، وإيقاف عملية التنمية، كما يبرز أثر الإرهاب كذلك على القوى البشرية للدولة، إذ إن الوطن يخسر عدداً من أبنائه الذين هم سواعد البناء، وهذه خسارة فادحة في المرتكز التنموي الفاعل.
وقد جاء في دراسة عن الآثار الاقتصادية للإرهاب الدولي أن هناك آثاراً واضحة على البطالة والتضخم والاستثمار والأسواق المالية وإفلاس الشركات وقطاع التأمين والقطاع السياحي وسعر الصرف وميزان المدفوعات، ومن ذلك على سبيل المثال:
أولاً: صرف مبالغ كبيرة على حرب الإرهاب، كانت ستنفق على مشروعات التنمية البشرية والبنية الأساسية كإنشاء الطرق والمستشفيات والمدارس لخدمة المواطنين كافة.
ثانياً: إحجام الشركات الكبرى والمتعددة الجنسيات عن إقامة مشروعات في المجتمع، خوفاً من الإرهاب والإرهابيين.
الأمن أساس الإزدهار
ويقول الدكتور عبدالرحمن بن عبدالله المشيقح (عضو مجلس الشورى): إن الكيان الاقتصادي لاينمو ويستمر في التطور والازدهار إلا في ظل استتباب الأمن ومناخ مستقر فتجد أن عقود الاستثمار في الشركات الكبرى تشتمل على مدد طويلة قد يصل بعضها إلى عشرات السنين لأن الاستثمار يعني شراء الأراضي وإقامة المباني والمنشآت وجلب الآلات والمعدات والأيدي العاملة المحلية والوافدة فالاستثمارات الوطنية والأجنبية لايمكن أن تقدم على بناء مشاريع إنتاجية أو تؤسس لنظم خدمية إلا في ظل الأمن والاستقرار ويضيف: إن النهضة العمرانية الكبرى التي تعيشها المملكة وما تبع ذلك من تطور زراعي وصناعي وتجاري وخدمي لم يكن ليتحقق لولا فضل الله ثم الأمن والأمان الذي تعيشه المملكة رغم ما تعرضت له من إساءة وتخريب وما تم إحباطه من محاولات وما يحاك ضدها من تخريب وإفساد لكن يقظة أجهزة الأمن والتفاف المواطنين حول القيادة الرشيدة هو الذي أوجد أسوارا شامخة تقف ضد التخريب أقوى من الجدران الإسمنتية والحديدية.
ولفت الدكتور المشيقح الانتباه إلى أنه نتيجة للتطور وابتكار الإنسان أساليب عديدة للتدمير والتخريب ظهرت عدة تخصصات لمواجهة ذلك كان أهمها الأمن الاقتصادي الذي يندرج تحته مجموعة تخصصات كالأمن التجاري وأمن الجمارك والأمن الغذائي والأمن الصناعي فبالإضافة إلى الأمن العام هناك تخصصات هامة أخرى في مجال الأمن مثل الأمن الفكري والثقافي والأمن الإعلامي وأمن المعلومات وغيرها وكل واحد من هذه التخصصات له مناهجه وأساليبه وأنظمته يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من حمل علينا السلاح فليس منا ومن غشنا فليس منا) إن المسلم مكلف بعمارة الأرض وليس بتدميرها إن الإسلام دين عبادات ودين معاملات فأخلاق المسلم قد تتفوق على كثير من العبادات لأن المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده وشر الناس من اتقاه الناس لشره فإذا ديننا يأمر بإماطة الأذى عن الطريق لأنها صدقة فكيف يكون التدمير والتفجير وتخريب المصالح وهدم المرافق وقتل الأنفس البريئة فكل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه.
ويشدد على أهمية تعزيز المواطنة وحب الوطن في عقول الناس وخاصة الجيل الجديد فالمواطنة ثقافة وسلوك يجب ترسيخها من أجل الوطن والإنتماء إليه لأن الذي يحب وطنه يعزه ويجعله فالمواطنة تعني الصدق والإخلاص في العمل من أجل أبناء وبنات هذا الوطن كما تعني المحافظة على مكتسبات وثروات الوطن ومرافقه العامة فنحن في سفينة واحدة، بجانب الاهتمام بالأمن الفكري وإعطائه الأولية والتقليل من الآثار السيئة للغزو الثقافي عبر الفضائيات أو الشبكة العالمية وصد ذلك بوسائل إعلامية مماثلة وهناك تلوث فكري نتيجة الإختلاط مع جماعات أو أفراد داخل أو خارج الحدود هنا لابد من الوقاية ومعالجة آثار التلوث لإن الإسلام النقي والعقيدة الخالصة هي التي بنيت عليها المملكة العربية السعودية.
ويقول: إنه في ظل الأمن والاستقرار تنمو البلدان وتتطور وفي غيابه يتراجع البناء والعمران خاصة عندما يكون هناك إرهاب عشوائي أعمى لايعرف أين يتجه بل يضرب كيفما اتفق خاصة عندما يكون بين الفاعلين مواطن أو مجموعة مواطنين إن الاقتصاد جزء هام لايتجزأ من جسم المجتمع فهو ينمو ويزدهر عندما تكون الرؤية واضحة وينحسر عندما يكون الطريق غير ممهد وتحدق به الأخطار.
كفى عبثاً
ويشير الدكتور عبدالعزيز بن إسماعيل داغستاني (رئيس دار الدراسات الاقصتادية، ورئيس تحرير مجلة عالم الاقتصاد): إلى أن هذه الفئة الضالة لاتقرأ التاريخ ولا تعتبر بقصص الأولين ولاتستفيد من تجارب الآخرين، فلا يمكن لفئة تخرج عن الصف أن تطوع الجماعة لفكرها المنغلق ونهجها الأحادي، ولايمكن أن يقبل مجتمع بدأ يقطف ثمار عقود متتالية من العمل التنموي الدؤوب أن يعود إلى الوراء وينسف كل هذه الانجازات التنموية التي تحققت فوق هذه الأرض الطيبة بدعوى لاتستقيم مع شرع أو عرف أو بصيرة، لايمكن أن تطلب من الإنسان العاقل أن يتنازل عن رغد العيش ليعود إلى شظفه دونما مبرر بدعوى العودة إلى حظيرة السلف الصالح، أي تفسير هذا الذي يزعمون لفهمهم استحقاقات الحياتين الدنيا والآخرة؟ إنها لقسمة ضيزا ومأساة كبيرة أن يشوه فكر مجتمع ويحجر في إطار هذه النظرة السوداوية الممقوتة، وإنها لمعضلة كؤود أن يعبث هؤلاء الضالون بالاقتصاد الوطني ويكونوا معاول هدم وتدمر بناءً حضارياً شامخاً تكاملت في صنعه موارد هذه الأرض الطيبة وأسهمت فيه سواعد وطنية مخلصة.
ويضيف قائلاً: لابد أن يدرك المجتمع أن ما تقترفه هذه الأيدي الآثمة من أعمال إرهابية تنعكس سلباً على الاقتصاد الوطني بحكم تداعياتها الاجتماعية والأمنية وعبثها بأمن العباد والبلاد، لابد أن يقف المجتمع بأسره بكل حزم وقوة أمام هذه الفئة الضالة لضمان استقرار هذا الوطن الغالي والمحافظة على المكتسبات التنموية التي تحققت عبر سنوات طويلة منذ صدور خطة التنمية الأولى عام 1390م وحتى الآن، وعلى العقلاء من أبناء هذا الوطن الغالي أن يسهموا في خلق زخم توعوي يبين مفاسد هذه الفئة الضالة وأثر الإرهاب والعمليات الإرهابية على الاقتصاد واستقرار المجتمع، إذ يتكبد الاقتصاد والمجتمع على حد سواء خسائر متراكمة جراء الانشغال بمواجهة الإرهاب، وهو ما يعيق الالتفات إلى التنمية وتوجيه كافة الموارد الاقتصادية المتاحة لبرامجها ومصاريفها، فالتنمية هي غاية المجتمعات المتوثبة والإنسان وسيلتها، ولايمكن أن تستقيم الأمور إذا شذت فئة في المجتمع عن طريق الصواب واختارت الإضرار به دون وازع من دين أو ضمير.
اختلال معدلات التنمية
ويؤكد الدكتور عبدالله بن سليمان الباحوث (أستاذ الاقتصاد المشارك بكلية الاقتصاد والعلوم الإدارية بالرياض): أن الاستقرار السياسي والاجتماعي يعد أحد أهم المقومات البدهية للتنمية الاقصادية، وهذا يعني أن اختلاله دليل على اختلال مسيرة التنمية، وتشير كثير من الدراسات التطبيقية إلى أن أهم أسباب التخلف في الكثير من الدول النامية تعود للاضطرابات السياسية والاجتماعية التي تسود فيها، وإذا تناولنا التنمية الاقتصادية كأحد مؤشرات التقدم فهذا يرجع إلى أن موضوع التنمية الاقتصادية يعد موضوعاً شاملاً يضم تحته مجموعة من العناصر الاقتصادية، كقطاع الاستثمار والصرف الأجنبي والسياحة والبطالة والتضخم وميزان المدفوعات، وغيرها من المتغيرات الكلية المهمة.
ويوضح أن كل هذه المتغيرات تشترك في حساسيتها للبيئة السياسية والاجتماعية المحيطة سلباً أو إيجاباً، بل إن بعضها يكون تأثره كبيراً ومباشراً، فرأس المال مثلا يعد من أكثر العناصر التي تناولت الأدبيات الاقتصادية سرعة تأثره بالبيئات المضطربة وابتعاده عنها، وعندما نتناول هروب رأس المال الوطني إلى الخارج وآثاره الاقتصادية مثلاً، فإننا نتحدث عن أحد آثار البيئة غير المستقرة، وحينما يتمثل عدم الاستقرار السياسي والاجتماعي في شكل عمليات إرهابية فإننا نكون أمام مشكلة تتجاوز خطورتها النطاق المحلي إلى النطاق الإقليمي والدولي وتشكل مجموعة من الاختلالات الاقتصادية والاجتماعية.
ويشير إلى أن البيانات والإحصاءات والعديد من الدراسات التطبيقية أكدت أن للإرهاب الدولي بصفته أوضح صور انعدام الأمن الاقتصادي آثار سلبية متعددة تتجاوز الحدود الدولية حيث تمتد آثاره لتتجاوز الدولة المستهدفة بالإرهاب إلى دول أخرى كثيرة، مما ينعكس على الكثير من المتغيرات الاقتصادية الرئيسة مثل: التضخم، والبطالة، والاستثمار، وسعر الصرف، والأسواق المالية، والميزانية العامة، والتأمين، والسياحة، والنقل،.... الخ.
أضرار جسيمة اقتصادياً
أما الدكتور محمد بن يحيى اليماني (أستاذ الاقتصاد بكلية الاقتصاد والعلوم الإدارية) فقال: من القضايا المتفق عليها أن للإرهاب آثار سلبية على جوانب متعددة من حياة الناس، ولعل من أبرزها الجوانب الاقتصادية، وتتمحور الآثار السلبية الاقتصادية للإرهاب في عدة محاور:
أولاً: الإضرار بالقدرة التناسبية للاقتصاد المحلي في مجال جذب الاستثمارات، ذلك أن الإرهاب يوفر بيئة طاردة للاستثمارات مهما كانت طبيعة البنى التحتية المادية والقانونية المتاحة، ومهما كانت الظروف الاقتصادية والاجتماعية مواتية، فهو لايؤثر على مجرد جذب الاستثمارات، بل يفرغ البرامج والخطط والسياسات الاقتصادية والتنموية من مضمونها.
ثانياً: يترتب على ما سبق، حرمان المجتمع من الاستفادة من الخبرات والكفاءات الأجنبية في مختلف التخصصات.
ولا يقتصر هذا على مجال بعينه، فالجامعات، ومراكز البحث العلمي، والمستشفيات وغيرها ستكون متضررة، إلى جانب الشركات والقطاعات الإنتاجية المختلفة.
ثالثاً: يؤدي تراجع المناخ الاستثماري بسبب الإرهاب إلى تقليل فرص العمل المتاحة، وإلى تدني مستوى التدريب والتأهيل الذي يمكن أن يتوافر عليه عنصر العمل المحلي، موازنة بالأحوال الطبيعية.
رابعاً: استنزاف مقدرات المجتمع، وترجيحها نحو محاربة الإرهاب، عوضاً عن صرفها نحو دعم العملية التنموية، وهذا يعني أنه بدلاً من إنشاء الطرق، والإنفاق على إقامة المدارس، والمستشفيات، والمشاريع الحيوية، يتوجه الإنفاق نحو برامج مكافحة الإرهاب، وفي هذا إلغاء لكثير من البرامج التنموية.
خامساً: تتضرر بعض القطاعات بشكل مباشر بالعمليات الإرهابية، وذلك مثل قطاع السياحة، والذي عادة ما يكون قطاعاً حيوياً هاماً للمجتمع تعتمد عليه عشرات الآلاف من الأسر في الحصول على دخولها.
وتبدأ عملية قياس تأثير الأعمال الإرهابية على مجمع أداء الاقتصاد، بالأخذ في الاعتبار بآثارها المباشرة، وغير المباشرة، سواء على القطاع العام أو الخاص، وسواء على جانب الإنتاج أو الاستهلاك.
وتأخذ معايير القياس في عدة صور، منها: عدد فرص العمل المفقودة بسبب الإرهاب، مقدار الانخفاض في الفرص الوظيفية الجديدة، حجم الارتفاع في تكلفة الإنتاج الذي يمكن عزوه إلى العمليات الإرهابية، مقدار الانخفاض في أحجام المبيعات أو الإنتاج ومستويات الأرباح، حجم رؤوس الأموال الخارجة من البلاد، وغيرها من المعايير.
وفي هذا الإطار، من المهم عدم المبالغة في تضخيم حجم الأعمال الإرهابية، وإظهار المجتمع وكأنه يعيش حالة حرب.
ذلك أن ما تتركه هذه الممارسات من آثار سلبية لايقل خطورة من الآثار السلبية المباشرة للأعمال الإرهابية، فإشاعة حالة من الخوف، وعدم الاستقرار، وعدم الإحساس بالطمأنينة، هو مقصد من مقاصد الإرهاب، بل يعد كافياً لتحقيق ما يصبو إليه من يقفون خلفه، حتى ولو لم تكن هناك أعملا إرهابية على أرض الواقع.