إن موضوع التكفير قد كثر الخوض فيه قديماً وحديثاً وهو مزلة أقدام، فلا ينبغي لمن ليس لديه علم أن يحكم بالكفر إلا على من كفره الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - وذلك بارتكابه أحد نواقض الإسلام المجمع عليها عند أهل العلم، كذلك لابد من التثبت قبل إصدار الحكم بالكفر أو الخروج من الدين.
وظاهرة التكفير موجودة منذ الصدر الأول من هذه الأمة ولازالت إلى عصرنا الحاضر.
وقد كانت بداية هذه الفتنة لهذه الطائفة في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم -، حيث ثبت في الصحيحين عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: بينما النبي - صلى الله عليه وسلم - يقسم جاء عبدالله بن ذي الخويصرة التميمي، فقال: اعدل يا رسول الله، فقال: (ويلك ومن يعدل إذا لم أعدل؟) قال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: دعني أضرب عنقه، قال: (دعه فإن له أصحاباً يحقر أحدكم صلاته مع صلاته وصيامه مع صيامه، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية.. الحديث).
ومن الأدلة على التثبت وعدم التسرع في الحكم بالتكفير، ما رواه البخاري بسنده عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: كان رجل في غنمة له فلحقه المسلمون، فقال: السلام عليكم فقتلوه وأخذوا غنيمته، فأنزل الله في ذلك: {وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}.
فحصل اللوم من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لهم بسبب تسرعهم.
كذلك ما حصل لأصحاب الرسول - صلى الله عليه وسلم - وفيهم أسامة ابن زيد - رضي الله عنه - قال: بعثنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى الحرقة من جهينة، قال: فصبّحنا القوم فهزمناهم، قال: ولحقت أنا ورجل من الأنصار رجلاً منهم، قال فلما غشيناه قال: لا إله إلا الله، قال: فكف عنه الأنصاري، فطعنته برمحي حتى قتلته، قال: فلما قدمنا بلغ ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: فقال لي يا أسامة أقتلته بعدما قال لا إله إلا الله؟ قال قلت يا رسول الله: إنما كان متعوذاً، قال: قتلته بعدما قال لا إله إلا الله؟ قال فمازال يكررها علي حتى تمنيت أني لم أكن أسلمت قبل اليوم.
فمن أظهر الإسلام، ونطق بالشهادتين وجب الكف عنه.
وقد ظهرت فتنة التكفير في عهد الإمام علي - رضي الله
قال شيخ الإسلام ابن تيمه - رحمه الله -: ليس لأحد أن يكفر أحداً من المسلمين وإن أخطأ وغلط حتى تقام عليه الحجة وتبين لهم المحجة، ومن ثبت إسلامه بيقين لم يزل ذلك عنه بالشك، بل لا يزول إلا بعد إقامة الحجة وإزالة الشبهة.
آثار التكفير على الأمة:
1- يتسبب في تفريق المجتمع وشحن القلوب بالأحقاد والعداوات وسوء الظن بالمسلمين وتتبع هفواتهم وزلاتهم.
2- يتسبب في ضياع الكليات الخمس التي اتفقت الشرائع على حفظها، فهو سبب في سفك الدماء - واستباحة ذلك واعتبروه تقرباً إلى الله حسب زعمهم الفاسد-، واستحلال الأموال، وأعراض الناس مما ينتج عنه إتلاف المنشآت وزعزعة الأمن وإخافة الآمنين.
3- التكفير والتفسيق باب خطير من لم يعرف الواجب فيه ضل وأضل.
4- أنه سبب في تحريف الدين وتأويل النصوص حسب الأهواء.
5- يحد من الدعوة الإسلامية وانتشارها.
6- التفريق بين الحكام والرعية وذلك برمي الحكام بالكفر ومن لم يستجب لهم رموه بالكفر أيضاً، لأنهم يرون أن الحكام لم يحكموا شرع الله، ورعيتهم راضية بذلك فهم كفار مثلهم.
والذي ينبغي علينا عدم تكفير المعين إلا بحجة راسخة، وذلك بالرجوع إلى كتاب الله - عز وجل - وإلى سنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - لأنها المبينة للأحكام القرآنية، وما يراد بها في باب معرفة حدود ما أنزل الله، كمعرفة المؤمن والكفار والمشرك، والموحد والفاجر والبر.
وما أحسن قول شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمة الله - في النهي عن التكفير:
إني من أعظم الناس نهياً عن أن ينسب معين إلى تكفير وتفسيق ومعصية إلا إذا علم أنه قد قامت عليه الحجة الرسالية التي من خالفها كان كافراً تارةً، وفاسقاً أخرى، وعاصياً أخرى، وإني أقرر أن الله قد غفر لهذه الأمة خطأها، وذلك يعم الخطأ في المسائل الخبرية القولبة، والمسائل العملية، وما زال السلف يتنازعون في كثير من المسائل ولم يشهد أحد منهم على أحدٍ لا بكفر ولا بفسق ولا بمعصية.
وليعلم أن التكفير مذهب الحرورية المارقين الخارجين على علي ابن أبي طالب ومن معه من الصحابة - رضي الله عنهم أجمعين -.
الحاصل أن أمر التكفير أمر خطير وينبغي للمسلم ألا يصاحب ولا يجالس هذه الطائفة المارقة التي تكفر المسلمين وتكفر ولاة الأمر على غير بصيرة، بل علينا نبذهم وإبعادهم لأنهم أصحاب هوى وتعصب للأشخاص بلا علم ولا عدل بل غلو وانحراف، والله تعالى أعلم.
*الأستاذ المساعد بقسم القرآن وعلومه بكلية التربية للبنات بالرياض