لو حُرِمَ رجلٌ أو امرأةٌ من الإنجاب لدارا ولفَّا أنحاء الكرة الأرضية بحثاً عما فيها من مشافٍ ومصحات وعيادات تعالج العقم وتحفز الإخصاب، كل ذلك من أجل الحصول على طفل.
ولكن حينما يتفضل الخالق على هؤلاء أو غيرهم (بنعمة الإنجاب)، نرى العديد منهم يحولها إلى (نقمة)، وذلك لأن بعض الآباء والأمهات يفرحون بالإنجاب لمجرد إثبات ذواتهم وأنهم ليسوا بأقل من غيرهم، ولكنهم لا يثبتون أمام تحمل مسؤوليتها العظيمة.
حيث إن بعض الوالدين يتهرب من مراعاة أبنائه وبناته في هذا الزمن الشبيه ببحر لجي تتلاطم أمواجه بسرعة رهيبة يصعب على أي غواص اجتيازها ما لم يمد له طوق نجاة حقيقي، وطوق النجاة هنا هو الاهتمام التربوي العائلي، وقارب الأمان هو (الأسرة المستقرة الصالحة الناصحة المتكاشفة) التي لا تجعل من الغموض والهروب ركائز لسياستها مع أبنائها الذين (خلفتهم وتناستهم).
وليس هذا مجرد كلام نظري يتنصل منه الكثيرون من آباء وأمهات، إنما الأحداث الواقعية تثبت صدقه، فكل يوم يؤلم مشاعرنا سماع قصص حزينة (في مجتمعنا) عن أبناء وبنات قُصر وقعوا في (براثن الرذيلة) عن طريق حبائل المجرمين والمجرمات، بينما أهاليهم يغطون في سبات عميق.
وكانت آخر هذه القصص الأليمة - وليتها تكون آخرها - قصة (ابنة التاسعة) التي ترسلها أسرتها كي تتسوق من بقالة يشرف عليها بل يسيطر (أحد العمالة) الذي لاحظ (تردد تلك الطفلة) على محله دون حسيب أو رقيب، فطبق النظرية الإجرامية القائلة: (المال السائب يعلم السرقة) حيث قام (بافتراس الصغيرة) دون وازع من ضمير أو دين أو شفقة.
والمثير في الأمر أن هذا المجرم استمرأ تكرار الاعتداء وهدد الطفلة، ولكن السؤال الملح: أين أهلها؟ بل أين والدتها؟! ألم تشعر بمعاناة فلذة كبدها منذ البداية؟ حيث إن المصيبة لم تتكشف إلا بعد انهيار صحة الصغيرة البريئة بعد انكشاف الأمر كوضوح الشمس في الظهيرة، أي بعد فوات الأوان!
وما هذه الحادثة إلا أنموذج صار متكرراً في بعض أسر مجتمعنا، فلماذا هذه الثقة العمياء في الأجانب وغيرهم؟ ولماذا هذا الهدر في الاهتمام بأبنائهم وبناتهم؟ (فالآباء) في استراحاتهم يعمهون وفي شققهم الخلوية يلعبون، أما الصغار والمراهقون فلهم الرعاة الكائدون الذين صاروا يرون أن واقع الحال ما هو إلا: (مَنْ أَمِنَ العقوبة أساء الأدب).
وبعض (الأمهات) تناسين تماماً أدوارهن التربوية التي أضحت (تتلخص في قبلة وتسوّق) لإرضاء الأعزاء الصغار، فكم أم عاقلة راشدة تجعل من ولدها الصغير البريء محرماً لها مع السائق، ثم تنزل لمشوارها وتترك الصغير يعود منفرداً مع الأجنبي، متجاهلةً أن الخوف عليه أكثر مما هو عليها، فلماذا لا تتدارك الأمر بطريقة أو أخرى، فكم من طفل أو مراهق راح ضحية حادث سيارة ثبت أنه كان يقودها دون علم والديه (وبتستر السائق) الطامع المشبوه.
إن الحديث في هذا الأمر المحزن لهو (ذو شجون وشجون) تستدعي من كل أب وكل أم الحرص على فلذات أكبادهم من حوادث تشيب لها الولدان، فأولى الضرورات: هي الصداقة والمكاشفة والمصارحة بين الوالدين وأبنائهم يليها عدم حرمان أبنائهم حرمان التعسف والقسوة دون إقناع وتعويض، لأن التربية أمانة عظيمة لا يجوز بأي حال من الأحوال الاستهانة بها، فثمارها ستظهر سريعاً إما بخير أو شر، وقديماً قيل: (ازرعْ تحصد)؛ وموسما الحصاد: عاجل وآجل.
g.al.alshaikh12@gmail.com