الصحة موضوع حساس ويحظى بتعاطف واهتمام المجتمع بشكل فطري باعتبار أنها من الخدمات العامة الأساسية والضرورية وهذا ما دعا الدولة منذ خطتها الخمسية السادسة 1415هـ إلى التفكير في إيجاد آلية لضمان استمرارية الخدمات الطبية وبنفس الجودة شاملة لجميع أفراد المجتمع (المواطن والمقيم).
وهذا لا يتحقق اليوم غالباً إلا بأحد الأمرين:
1 - التأمين الصحي
2- تأميم الخدمات الصحية
وأي من هذين النظامين الأنسب والأفضل الذي يلائم التركيبة السكانية والجغرافية في المملكة ويطابق احتياجنا ورغباتنا من الناحية الدينية والاجتماعية والثقافية والمادية.. الخ، من أجل الوصول للحلول المناسبة والاستفادة من تجارب الدول المتقدمة في هذا المجال وكذلك إيجاد البدائل التي تساعد في تطوير ورفع مستوى الخدمات الصحية بما يتفق وطموحاتنا لتحقيق أقصى فائدة تعود بالنفع للمواطن والمقيم. حيث أن التكافل الاجتماعي في الإسلام بمؤسساته المتعددة وأنظمته سيجعل من السهل على الباحث الجاد رسم معالم لبدائل مقبولة ومدعومة بأمثلة حية وليست بالضرورة منطبقة تماماً مع النماذج الحالية في صناعة التأمين الصحي.
* التأمين الخيري.
* التأمين التعاوني.
* التأمين التجاري.
حيث يقوم التأمين الخيري على مبدأ الزكاة والصدقة وتبرعات أهل الخير ليستفيد منه الفقراء وتديره غالباً الجمعيات الدينية والخيرية. أما التأمين التعاوني فيقوم على اشتراك مجموعة من الناس في دفع أقساط متفق عليها لصندوق تعاوني على أن يستفيد منه أي فرد منهم عند حصول حادث أو ضرر أي انه يستهدف توزيع عبء التكلفة على أكبر عدد ممكن من الأفراد بدلا من تحميلها لشخص واحد وتدير هذا التأمين غالباً جمعيات تعاونية. أما التأمين التجاري فيشبه كثيراً التأمين التعاوني ولكنه يهدف إلى الربح وتديره شركات تجارية ربحية وهو الدارج والأكثر انتشاراً اليوم.
هدف طالب التأمين.. الهدف الاول ولعله الاخير لطالب التأمين هو محاولة تفادي النكبات المالية أو المفاجئة التي قد يواجهها في حالة المرض أو تعرضه لحادث يترتب عليه التزامات مالية خاصة في ظل التزايد المستمر لأسعار الخدمات الصحية، أما هدف شركة التأمين ولعله هدفها الوحيد هو الربح والربح فقط.
وقد بدأت فكرة التأمين في أواخر القرن السادس عشر عندما قامت الحكومة البريطانية بتأسيس صندوق العناية بالفقراء ولكن عرف التأمين الصحي لاول مرة في أوروبا اثناء القرون الوسطى عندما قامت نقابة العمال بانشاء صناديق لمساعدة اعضائها مالياً عند تأثر دخولهم بسبب المرض أو العجز، وكان تموين هذه الصناديق عن طريق مساهمات الاعضاء المنتظم.
ومع مرور الزمن وانتشار الصناعة خاصة في بداية القرن التاسع عشر الميلادي اتضحت الحاجة لمثل هذه التنظيمات في المهن المحفوفة بالمخاطر كالعمل في المناجم وكثرة حوادث المصانع وزيادة الخطر على الصحة وبالتالي الدخل فانتشرت الفكرة انتشاراً كبيراً بين زملاء المهنة الواحدة، وان كانت ماتزال في ذلك الحين تكاد أن تكون اجتماعية بحتة حيث كان ينظر اليها على أنها مشاركة بين الزملاء في تحمل ما قد يصيب بعضهم وكلهم معرضون للإصابة.
ونظراً لطبيعة الصحة وحساسية اغلب ما يتعلق بها وطبيعة نظرة المجتمعات التعاطفية للمرض واستعداد الناس الفطري للتضحية لرفع مثل هذه المعاناة حتى عن الآخرين بل والعمل على الوقاية منها فقد ركب الساسة في ذلك الوقت الموجة واستغلوا مثل هذا الموضوع الحساس لكسب التعاطف فبدأ طرح موضوع مشاركة أصحاب المصانع في توفير نوع من التأمين الصحي للعمال أي عدم ترك العمال يتحملون الاعباء بمفردهم، وكما هو متوقع وجد مثل هذا الطرح مساندة الحركات العمالية ولعل هذا أحد أسباب انتشاره اليوم في أنحاء العالم. وفي أواخر القرن التاسع العشر بألمانيا وتحديداً في عام 1883م اصدر المستشار الألماني الأمير اوتو بيسمارك أول قانون يلزم صاحب العمل بالمشاركة في ما يمكن أن يعتبر تأميناً صحياً على العمال ثم تبعتها في هذا النرويج وبريطانيا والنمسا وفرنسا وروسيا قبل أن يعمم هذا الإلزام بالتأمين دول أوروبا الصناعية خلال الخمسين عاماً التالية.
ويعتبر التأمين الصحي الإلزامي الذي طبق في ألمانيا عام 1883م هو الأقرب لصورة التأمين الصحي الحديث الذي يطلق اليوم في الولايات المتحدة الأمريكية وكندا واليابان وأكثر من 90 دولة صناعية ونامية في العالم، حيث أن التأمين الصحي يسهم في رفع مستوى الكفاءة في قطاع صناعة الطب والعلاج ومن الناحية الاقتصادية تكوين رؤوس أموال والتي من شأنها رفع كفاءة الاقتصاد الوطني خاصة في الاتجار بها في المرابحات والمضاربات الشرعية عطفاً على ما توفره هذه المشاريع من فرص وظيفية لشباب الوطن.
حيث وصل حجم السوق التأميني في المملكة حوالي 6 مليارات ريال وقد تحقق هذا النشاط التأميني رغم عدم بداية العمل بالتأمين الصحي الإلزامي رسمياً في المملكة، ومن الأمور المتعلقة بهذه الجوانب ما يذكره الخبراء الاقتصاديون من اسهام التأمين في التحكم في التوازن الاقتصادي خاصة في عصرنا هذا.. عصر العولمة والخصخصة.
في الموضوع القادم سوف أكمل لكم بإذن الله النظرية الثانية من أشكال التأمين الصحي وهو تأميم الخدمات الصحية (N HS) من حيث الأسلوب والتطبيق.
* دكتوراه إدارة المستشفيات في التأمين الصحي altassan2000@yahoo.com