جاء في جريدة (السياسي) الإلكترونية على الإنترنت خبرٌ مفاده:
(اعترف رجل أسترالي بإطلاق النار على رأس ابنه إثر شجار دار بينهما بسبب كلب. وذكر موقع (نيوز) الأسترالي أن غريغوري مارك هاورد (51 عاماً) من مدينة بانشهاول جنوبي غرب سيدني، اعترف أمام المحكمة العليا في نيو ساوث ويلز أنه قتل ابنه جايكوب ديغبي 23 عاماً).
مثل هذا الخبر عندما يقرؤوه أحد الصحويين المؤدلجين، سيعتبره دليلاً قاطعاً، وحجة لا تعادلها حجة، على سفاهة مجتمعات الكفار، وسقوطها، وانحلال الروابط العائلية فيها. وربما وقف أحدهم خطيباً وارتجل: (وبعد، هل سيصمت المنبهرون بتلك المجتمعات، ويخسأون وهم يطالبون بالاقتداء بالحضارة الغربية، والاستفادة منها، تلك الحضارة القميئة المنحطة التي لا تمت للخير والخيرية بصلة، والتي وصلت إلى درجة أن الكلب أغلى من الإنسان، ثم عند من؟ عند الأب تجاه ابنه. أعوذ بالله لا والله لا نريد أن نتعلم من حضارة يقتل فيها رجل ابنه من أجل كلب).
مثل هذه الخطبة المتخيّلة طبعاً - لا أستبعد إطلاقاً أن أسمعها من على منبر أحد الجوامع في بلادنا، في ظل هذه الهجمة على الحضارة الغربية، التي تسعى إلى تكريس (البغضاء والكراهية) بيننا وبين الغرب. والرد المنطقي والبسيط على هذه الحادثة أنها مجرد حادثة شاذة ليس إلا، مثلما تحصل هناك قد تحصل هنا، والحكم على الظواهر لا يمكن أن يكون علمياً إلا إذا اعتمد على أرقام إحصائية، تثبت أنها كحوادث انتقلت من كونها مجرد حادثة عارضة إلى أنها أصبحت ظاهرة متكررة، ليمكن الاتكاء عليها في تحديد موقف فكري.
هذا هو المنطق العلمي الذي لا علاقة له بثقافتنا، بينما هو في الغرب أس من أسس رصد وقراءة الظواهر الاجتماعية وعلاجها قبل أن تكبر أعدادها وتتفاقم.
ولأننا أمة تعشق السرية، ونكره أشد ما نكره (الشفافية)، فنحن لا نحفل كثيراً بالأرقام، ولا بالإحصاء. والكتمان أس من أسس عمل الإنسان (الحصيف)، ولو أننا تعاملنا مع واقعنا بشفافية، وسمحنا بالأرقام الإحصائية الحقيقية بأن تظهر إلى العلن، لغيّر كثير من أولئك البسطاء وجهات نظرهم، وبالذات تلك الأوهام التي تعتبرنا مجتمعاً أقرب ما يكون إلى مجتمع نقي ملائكي، والغرب مجتمع فاسد منحل إباحي، لا تحكمه أخلاق، ولا يكترث بالفضيلة.
ولا زلت أتذكر كيف فغر أحدهم فاه وهو يقرأ أن (بيل قيتس) انشأ منظمة (بيل وميليندا قيتس الخيرية) برأس مال وقدره 28 مليار دولار لتهتم بدعم قضايا مثل التعليم والصحة. وهذه المنظمة تعتبر من أكبر المنظمات الخيرية على الإطلاق، خصوصاً بعد أن دعمها المستثمر العالمي (وارن باقيت) بمبلغ مماثل (28 مليار دولار)، في الوقت الذي نسمع فيه عن الأرقام الفلكية لثروات بعض رجال الأعمال السعوديين، ولم يفكر أحدهم لوهلة أن يؤسس بجزء من ثرواته الخرافية منظمة إنسانية.
بيل قيتس هو - أيها السادة - منتج من منتجات هذه المجتمعات التي تعتبرونها فاسدة ومنحلة ولا تقيم للقيم ولا للأخلاق أي اعتبار. والسؤال: هل لدى مجتمع الخير والفضيلة تاجر واحد يضاهي في أريحيته وإنسانيته وإيثاره بيل قيتس؟