التأمل في مخلوقات الله سبحانه والاستبصار في مسارات عيشها ومراحل حياتها لا يزيد المرء إلا جرعات إيمانية تقوي روابطه بالخالق جل في علاه, لنأخذ مثالاً الحشرات: فهي متدرجة من حيث صورها بين القبح والجمال وبين الفائدة والضرر بالنسبة للإنسان, فقد يكون بينها ما يضر الإنسان لكنه نافع للنبات أو الحيوان, وبينها ما هو حسن الصورة لكنه شديد الضرر للآدمي, وتجد حشرة بشعة الخلقة في عين الإنسان وتملك سماً فتاكاً يقتل الإنسان حال اندراجه في الدم غير أنه في حالات كثيرة مفيد لهذا الإنسان لو كان استخدامه مقنناً بحسب قوانين الصيدلة, وهناك بين الحشرات ما لا تمل العين مشاهدته وتطرب النفس لحضوره بل ويسعد الزهر به أن حط عليه أو حام حوله كالفراشات, وربما اكتفى الإنسان منها بهذه المحصلة أو أنه لم يصل بعد لفوائدها الأهم هي وأنواع أخرى من الحشرات التي تملك فوائد لبني البشر لحكمة يعلمها الله سبحانه.
وهكذا بني آدم تجدنَّ فيهم حسن المنظر رشيق القوام لكنه ما أن يتحدث حتى تختل الصورة التي رسمت له في الدماغ, وفيهم رقيق الجسم متوسط الحسن والهيئة لكنه شهم همام يملأ الدنيا بذكره الحسن, وفيهم بين ذلك وأكثر وأقل, غير أن العبرة بالخواتيم, وإنما التقي هو السعيد ولن يبقى من المشهد كله سوى الذكر الحسن.