استوقفني (صيد الاقتصاد) في ملحق الجزيرة الاقتصادي الأسبوع الماضي وفيه تصريح لسعادة مدير عام مصلحة الزكاة والدخل الأستاذ محمد المفلح يقول فيه إن المصلحة تستحدث نظاماً يحد من تلاعب الشركات السعودية المستثمرة في الخارج.. وجاء تعليق الصيد: اضبطوا استثمارات الداخل والخارج يهون أمره.
والذي فهمته من تصريح الأستاذ محمد وكذلك رد الزملاء في جريدة الجزيرة في صيدهم أنهم وإن اختلفوا في الاتجاه إلا أنهم اتحدوا في اتهام المستثمرين والتشكيك في نواياهم.. ولا أستطيع أن ألومهم على ذلك.. فأنا مثلهم انطبع في ذهني أن التجار قليلو ذمة.. وإن الذمة تقف عند الريال لدى كثير من الناس.
هذا المفهوم المجتمعي السائد (للأسف) ولَّد عاهات مجتمعية معيقة.. وإلا ما الذي يمنع مصلحة الزكاة والدخل من توجيه تفكيرها نحو بناء نظام مؤسسي تكون غايته التنمية بدلاً من توجيه التفكير نحو الجباية فقط.. وأن تعمل على الاستفادة من حالة الطفرة البترولية التي تعيشها بلادنا اليوم وتبدأ في وضع نظام زكوي ينقلنا مستقبلاً إلى حالة متقدمة من نواحي حساب وجباية الزكاة بدلاً مما هو حاصل اليوم.. وكيف أن الحسابات الزكوية ما زالت مبنية على التقديرات الجزافية.. وهي بالمناسبة تسمى هكذا (تقديرات جزافية) في مستندات جباية الزكاة.
بلادنا اليوم تنعم بوفرة مالية تجعل من جباية الزكاة أمراً ثانوياً.. نعم هو ركن من أركان الإسلام لكن تنفيذه مسند للمزكي نفسه.. ونحن ولسنوات طويلة قادمة لن تحتاج بلادنا إلى جباية الزكاة.. وهذا سوف يتيح فرصة للتنظيم.. والتنظيم لن يتحقق إلا بوجود حالة اطمئنان وليس بتهديد.. وبتغليب سياسات وأنظمة تحفيز الإيجابي على قوانين وأنظمة مكافحة السلبي.
النظام الضريبي المتقدم هو الذي يدفع رجل الأعمال إلى الإنفاق لتطوير نفسه وأعماله وموظفيه وبيئة العمل التي ينشط فيها.. بينما في الدول المتخلفة هو نظام جباية.. مهارة رجل الأعمال تتجلى في كيفية التهرب منها.. ومهارة رجال الجباية هو في كيفية الحصول على أكبر قدر ممكن من رجل الأعمال حتى لو تم الإضرار به.. وكأنهم رجال مافيا لا رجال دولة.
من المهم جداً أن يتجه تفكيرنا نحو تعزيز الإيجابي.. فبلادنا بخير كثير والحمد لله.. ومن الخطورة الانسياق بتفكيرنا تجاه الحماية إلى حد الخنق.. أو إعاقة مسيرة التنمية في هذه المرحلة تحت أي مبرر.