الحوار بين العالم الإسلامي والغربي بات أمراً ضرورياً ومهماً في عالم تداخلت فيه المصالح والتحالفات كما تداخلت فيه العداوات، فالمفاهيم المغلوطة التي بُنيت حول الإسلام وساهمت في شن حملات العداوة تجاهه من قبل متطرفي الأيديولوجيا الغربية وغيرهم من متطرفي المحيط الغربي، لا يمكن أن تُحل طلاسمها وتُدحض حججها إلا من خلال تعميق قنوات اتصال دفاعية تعتمد على الحوار، ومخاطبة المعتدلين في الجانب الآخر، لتساهم في قطع الطريق على المتطرفين في الجانبين.
وعندما نتحدث عن هذا الأمر فلا بد لنا أن نشير إلى أن من المعضلات التي تواجهها العلاقة بين المحيطين الإسلامي والغربي آفة ومعضلة التعميم، ففيما سبق كانت النظرة السائدة حول المجتمعات الغربية لدى الكثير من مدخلات عقولنا العربية والإسلامية تتمحور حول علمانية تلك المجتمعات وانهيار القيم الدينية والروحية بها، وأن لا مجال للتاثير الديني بها، والآن وبعد أن أُلصقت صفة الإرهاب عنوةً بالدين الإسلامي من خلال استغلال تصرفات وطيش بعض متطرفي واقعنا في بادرة تعميمة أخرى من قبل الجانب الغربي قوبلت أيضاً من جانبنا بإطلاق قناعات التعميم والاكتفاء بالنظر إلى الجانب المظلم في العلاقة مع أن هناك جوانب أخرى يمكن الولوج من خلالها إلى مدخلات العالم الغربي والتأثير به وتغيير ما لديه من مفاهيم مغلوطة وتعميمات مؤدلجة معينة.
لا يمكن للعلاقة المرجوة بين الجانبين أن تنطلق إلى المسارات والاتجاهات التي نرجوها لها إلا من خلال اعتماد أسس الحوار العقلانية وقطع الطريق أمام متطرفي الطرفين على حد سواء، والانعتاق من دهاليز ومتاهات التعميم في الفهم. كما أن وسائل الإعلام في كلا الطرفين مطالبة بإحداث نوع من العقلانية في الطرح، فمن المعلوم أن للإعلام تأثيره الخاص في توجيه الرأي العام للمجتمعات, فكما أن له دوره البنَّاء في علاقات الدول والحضارات، فإن له أيضاً دوره السلبي في هذا الشأن، وهذا ما يقودنا إلى الحديث عن الإعلام المؤدلج الذي كثيراً ما ساهم في خلق بُؤر التوتر وتفريخ أدوات الخلاف. الكثير من المتطلبات يحتاجها واقع الحوار وتنادي بها ضروراته، منها ماهو سياسي ومنها ماهو اجتماعي، وغيرها الكثير من الاحتياجات التي يمكن أن تتحقق إذا توفرت الإرادة الصادقة لذلك وقُطِعَ الطريق أمام أعداء الحوار من الجانبين، وبُذلت الجهود لأجل تذليل صعاب وعراقيل الواقع ومن أهمها تعميمات المرحلة.