Al Jazirah NewsPaper Friday  18/04/2008 G Issue 12986
الجمعة 12 ربيع الثاني 1429   العدد  12986

في واحدة من أجمل المرثيات بالشعر الشعبي
الشاعر خالد البقمي يؤبن أحد شهداء الوطن بحروف توشك أن تتكلم

 

كتب خالد البقمي واحدة من أجمل المرثيات في الشعر الشعبي إن لم تكن أجملها وأكثرها حرفية ودقة بعد المرثية الشهيرة من أجمل شاعر لأكبر ملك يفقده العالم في العصر الحديث - مرثية الأمير خالد الفيصل في غياب الفيصل الكبير.

حينما قرأت هذه المرثية التي كان يجب أن تنشر صفحة كاملة بالألوان لأسباب عديدة ليس أولها غياب الشهيد في ميدان الفداء ولا آخرها قوة اللغة الشعرية الباهرة التي كتبت بها قصيدة متفردة حد الدهشة والإبداع، فكتبت هذه القراءة المتأخرة زمنياً لقصيدة مرت عليها ثلاثة أعوام في إرشيفي الخاص.

أعترف غير خجل أنني قلصت علاقتي بالصحافة الشعبية رغم ما حققت فيها (بدون تواضع) ليس من تأسيس أول صحافة شعبية يومية ولا انتهاءً بالمشروع الواعي الكبير ردم الفجوة بين الأدب الشعبي والمتلقي المثقف وشهود المرحلة ملء السمع والبصر من كل النخب والفئات.

أعترف بتقليص العلاقة لأسباب متعددة ليس أدناها ضعف المعيارية المهنية التي تطرحها الصفحات الشعبية، خصوصاً مع التسطيح الكبير لمفهوم (الناقد الشعبي) وما بين الأقواس مصطلح متنافر من ذاته!! وربما كان لي توضيح لهذا الالتباس في كتابة قادمة!!

لنعود إلى من دفعني لأنهض بهذه الرؤية إليه خالد البقمي الشاعر المبدع في هذه القصيدة والشهيد البطل والفتى حسين الذي بكى غياب أبيه العم والشاعر والمشاعر.. لتعرف يا حسين أن أباك البطل لم تبكه لوحدك فقد بكته على الأقل ملايين الناس الطيبين في بلادك لأنه مات بالنيابة عن أي واحد منهم، نعم أي واحد منهم يمكن أن تكون أنت يا حسين أو أنا أو ابني أو أي كائن حي في عشوائيات الظلام.. ظلام الفكر والهدف والعقيدة.. لنعود إلى القصيدة التي كتبها الشاعر خالد البقمي بلغة مدهشة في تكثيف الصور الإبداعية والمزاوجة التلقائية في تقديم الهدف العام والخاص في فلسفة مدهشة في تكثيف الصور الإبداعية والمزاوجة التلقائية في تقديم الهدف العام والخاص في فلسفة القصيدة الشعبية الجزلة باقتدار كبير في هذا النص بهكذا تلقائية حميمية في صياغة شعرية.. مدهشة.

واكبدي اللي من الأحزان.. مفجوعة

كن الحنش في عروقي دافق سمه

والكناية هنا شائعة العموم في المفردة العامية - المتحضرة لا فرق في السياق المعاش (لاعة كبدي - يدبل الكبد - زامة كبدي - يعل الكبد - يلوع الكبد.. الخ).

هنا سيادة المفردة في الثقافة الشعبية.. ثم يمضي البقمي في السياق التسلسلي بعد حشد مكثفات الوجع على من؟!

على فقيد حبالي منه مقطوعة

اخطيت مسكت يمينه والقدر خمه

قعد له الموت فالمرمى على كوعه

لاطاح دونه سهم قوسه ولازمه

نهار دفنه ذكرت حسين ودموعه

يصد عني ودمعه مغرق كمه

تسلسل وحدوي

هذا التسلسل الوحدوي في تكامل عضوية القصيدة الحميمية يوشك أن يأخذنا إلى لغة السرد الشعري إن جازت هذه التسمية على غرار لغة السرد الروائي إذا ما آمنا بأن هذه المشافهات نتاج حقيقي للقص الشعبي (حديث الناس) وربما يأخذنا هذا إلى دور الحكاية الشعبية.. وما تشكله من استلهام للتراث وصولاً إلى منجز السرد الروائي عربياً الذي تحقق في فوز نجيب محفوظ بجائزة نوبل تأكيد على أن ذلك استثمار حقيقي لمنجز السرديات عربياً.

خالد البقمي هنا

نهار الدفن ومشهد الفتى حسين وهو يشيح بوجهه عن استثارة عمه باكياً!!

ثم يتدرج الاتجاه السردي نزولاً بعد قمة الحبكة إلى الحديث عن وفاء القيادة بجزالة شعرية تعيد ثقة المتلقي إلى النص التقليدي المتجذر في الإدهاش الإبداعي تماماً.. لا يتوارى الشاعر عن إظهار اتجاه القصيدة إلى ما يسمى (بقفلة النص) مستخدماً مصطلحات معرفة يوظف فيه تقنيات فنية بالمتضادات اللفظية مثال:

راية هل الخير فوق (الشر) مرفوعة

همه هل (القاعدة) وانتم هل (القمة)

راقبوا الأقواس

علنية الاتجاه إلى نهاية النص وفق السيناريو السردي للنص مع محافظة متقنة على تماسك البناء المعماري للقصيدة.. ومع أنه يتضح في الحوار الداخلي للصورة الشعرية أنها في طريق العودة إلا إنها لا تخلو من مفاجآت تعيد شحن النص بتكثيف لغة الإبهار الشعري في مثل قوله خاصة (الشطر الثاني).

في كل يوم نطيح بروس مجموعة

(والحبل فالسانية والدول فالجمه).

ويؤكد ذلك ما قبل الختام وأيضاً في الشطر الثاني:

ثنتين منها لعل الروح مشفوعة

(حرصه على أداء الصلاة ورحمته فأمه)

هذه القصيدة تفتح المجال لإشكالية ثقافية لموضوع تناولته قبل أكثر من عشر سنوات في برنامج تلفزيوني لازلت أرى الحاجة إلى التوسع فيه عنوانه (التفكير بالعامية والكتابة بالفصحى)!

وإلى نص قصيدة الشاعر المبدع (المفجوع) خالد البقمي:

واكبدي اللي من الأحزان مفجوعه

كن الحنش في عروقي دافقٍ سمه

مضت حياتي وانا اللوعة ورى اللوعه

الله يعوض العيون ويكشف الغمه

ليت المصيبة تقف عند اول الروعه

مير انتهى روع قلبي وابتدا همه

على فقيدٍ حبالي منه مقطوعه

اخطيت مسكة يمينه والقدر خمه

قعد له الموت فالمرمى على كوعه

لاطاح دونه سهم قوسه ولازمه

نهار دفنه ذكرت حسين ودموعه

يصد عني ودمعه مغرق كمه

وحسين يوم اجبر ضلوعي على ضلوعه

اشوف به وجه ابوه وريحه اشمه

ولا الجوارح تراها عنه ممنوعه

اناظره فالخيال ولا اقدر اضمه

لو الدهر مر والأيام مقلوعه

باصبر واعود عدوي ما فتح فمه

وابا اشكر اللي وفاهم نادرا نوعه

عيال صقر الجزيرة عالي الهمه

نايف وسلمان ساس الطيب وفروعه

والكل منهم يقول القول ويتمه

واسوه بالخير واهتموا بموضوعه

ثم جوله اوصل رحم مني وانا عمه

عشتوا ولا عالماً بالحقد مدفوعه

ناس جميل الوطن تجزاه بمطمه

وراية هل الخير فوق الشر مرفوعه

همه هل القاعده وانتم هل القمه

وحنا رجال الولاء واجنود مشروعه

بارقابنا العهد مثل الدين بالذمه

في كل يوم نطيح بروس مجموعه

والحبل فالسانية والدلو فالجمه

في كل منبر شريف وكل مطبوعه

ارثي شقيقي وفكري يتجه يمه

روحه من أجل الوطن للموت مبيوعه

شرى الشهادة بحاضر والثمن دمه

ثنتين منها لعل الروع مشفوعه

حرصه على أداء الصلاة ورحمته فامه

أمين دعوة عبادك منك مسموعه

يا ناصف الغافلة من راعي النمه

رؤية: نايف عبدالرحمن العتيبي


 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد