في كل مرة أشاهد فيها حلقة من برنامج الدكتور فيل، تزداد تلك الصورة المشوشة عن المجتمع الأمريكي ظهوراً ووضوحاً.. نشأ معظمنا - أو أنها كانت نظرتي الشخصية - على اعتقاد أن المجتمع الغربي هو مجتمع متحضر يتميز بالرقي ويحترم كل فرد فيه خصوصية وحقوق الآخر.. ومع الادعاءات الباطلة التي تطلقها تلك المجتمعات بين الحين والآخر، ترسّخت تلك الفكرة حتى كوّنت لدينا ما يُطلق عليه (عقدة الخواجة).. فأصبحنا نتطلع إلى ذلك المجتمع المثالي بحسرة ونتمنى أن نصل إلى ما وصلوا إليه.. بل ونمجّد إنجازاتهم، حتى شاعت أخيراً مثل هذه البرامج الحوارية التي جرّدت ذلك المجتمع الخُرافي البرَّاق من زيفه، وأظهرت غباء وسُخف كثير منهم وضحالة فكرهم بل ودناءة أخلاقهم، مما بدّد تلك الأفكار المغلوطة بأننا نحن العرب لا بد أن نحذو حذوهم لنتطوّر ونجاريهم فيما وصلوا إليه من حضارة.
بالرغم مما يُعاب على العولمة وعصر الفضائيات، إلا أنني أشعر بالامتنان لها في كثير من الأحيان حين كشفت لنا الحقائق، وأظهرت خفايا الغرب لننظر ونتأمل ونراجع حساباتنا لنكتشف كم كنّا مخدوعين.. وكم ظلمنا أنفسنا وبخسنا حقوقنا بأيدينا حين اعتقدنا أنهم النموذج الذي يجب أن يُحتذى به خصوصاً على الصعيد الاجتماعي.
بالتأكيد نحن لسنا بحاجة لمن يؤكد لنا عظمة الإسلام ومدى رقي أخلاقياته ونُظمه الإنسانية التي لم تكن من صنع الإنسان، بل من صنع ربه والعالم بما يصلح شأنه؛ لكن كنّا بحاجة لمن يصحح نظرتنا المغلوطة عن الغرب، وتشبث البعض بأفكارهم وقولبتها على مجتمعاتنا العربية والإسلامية.. بالتأكيد كنا في أمس الحاجة لتلك العدسة المكبّرة التي أظهرت وما زالت تكشف لنا المزيد عن عيوبهم وتخبطهم.. والسبب واضح لنا كمسلمين، فهذا الخواء الروحي والوجداني الذي يعانونه كان السبب وراء تلك المهاترات والجرائم التي تعرض لنا في تلك البرامج.. فمن أب يتحرش جنسياً بابنه، إلى أم تدفن ابنتها ذات التسعة الأشهر وهي حية تصارع الموت بأنفاسها الصغيرة اللاهثة، إلى عشيق يحرق وجه خليلته بماء النار بعد أن انفصل عنها.. وتستمر المشاهد الدامية المتكررة التي لا نملك حين نراها إلا أن نقول: (الحمد لله الذي أعزّنا بالإسلام). قبل النهاية: أليست قاتلة تلك العبارة التي نطق بها أحد الغربيين بعد أن دخل الإسلام وعاشر المسلمين (لو كنت أعرف المسلمين قبل إسلامي لما أسلمت)!!!
إلى متى سنظل مثل السوْء حين يأتي الكلام عن التعاملات الاجتماعية وأخلاقيات العمل، أين نحن من أقواله عليه الصلاة والسلام: (الدين المعاملة)، (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)؟!؟!؟!
أما آن لنا أن نعود ؟!
فتحية صالح البرتاوي
Bartawi1@gmail.com