بتوجيهات من خادم الحرمين الشريفين - حفظه الله - تبنّت الهيئة العامة للاستثمار العديد من المدن الاقتصادية والمعرفية، باستثمارات بلغت المليارات من الريالات خلال السنوات الماضية .. هذه المدن تحتاج إلى تهيئة الكوادر البشرية الوطنية المزوّدة بالعلم والتقنيات الحديثة، والتركيز على الإنسان كمحور أساسي للتنمية، لبناء وتغشيل وصيانة تلك المدن بمفهوم عصري بعيداً عن الطرق التقليدية.
ويعتبر العنصر البشري صانع التنمية ومن أفضل الاستثمارات التي يمكن تبنِّيها، وعند توفُّر الإمكانيات المالية والمعنوية، بجانب الإعداد الذهني والنفسي، تصبح قيادة عجلة التطوُّر والإنماء من الأمور الميسّرة. ويعتمد الاقتصاد بشكل عام، على الاستفادة القصوى من الموارد البشرية والطبيعية بهدف زيادة رفاه المجتمع، وتأمين الاحتياجات للحد من الفقر واستثمار الموارد المحلية - على سبيل المثال - استخراج النفط بأقل تكلفة لتعزيز النمو للموارد وزيادتها، حتى يصبح المجتمع عالي الإنتاجية ويقدم الخدمات المطلوبة. ومن مزايا التنمية الاقتصادية، تحويل طاقة الإنسان إلى ميزة تنافسية عالية، تساهم في الإنتاجية وتساعد على زيادة الدخل وتوفير فرص العمل، مما ينعكس على تحسين المستوى التعليمي والصحي، ويحقق الاستقرار النفسي ويحافظ على الأمن.
ونظراً إلى التطورات الهائلة في مجالات العلوم والهندسة والتقنية وغيرها من التخصصات، أصبح من الواضح أنّ التطبيقات العلمية والتقنية، ترتكز على المُخرجات التعليمية، خاصة في المرحلة الجامعية، فلا بد من التركيز على إجراء البحوث العلمية الملائمة، والإسهام في إيجاد الحلول المناسبة لحل الصعوبات التي تواجه المجتمع بشكل خاص، والسعي لسد الفجوة في الوقت الحاضر والمستقبل لتنسجم مع الخطط التنموية، إضافة إلى المساهمة في بناء وتمويل مراكز البحوث العلمية وتعزيز الارتباط بينها والجامعات، ومد جسور التعاون في مجال الأبحاث وتهيئة المواطن للعمل وإدارة تلك المدن.
وبالرغم من الطفرة العمرانية والاقتصادية التي تشهدها المملكة، ما زال الكثير من أعضاء هيئة التدريس في معظم الجامعات، يعانون من شح المخصصات المالية وتمويل أبحاثهم .. فإذا توفّرت المخصّصات؛ وضعت عليها القيود المالية والإدارية، تعادل في كثير من الأحيان إجراء البحث بحد ذاته. هذه القيود تتمثّل من الجهة الداعمة باستعمال أساليب إدارية بيروقراطية تقليدية في التعامل مع الباحث بالنسبة للأمور المالية، تكون مرهقة له وتدخله في دوامة ليس لها علاقة في مجال البحث، مما يتطلّب الأمر النظر في وسائل أخرى لدعم البحوث.
وحيث إنّ الهيئة ابتكرت آليات عديدة تجاوزت الكثير من الصعوبات الإدارية والمالية؛ منها إنشاء المراكز الشاملة وتسهيل آليات الاستثمار، فعليها مسؤولية كبيرة بجانب جلب الاستثمارات للمدن الاقتصادية، بإيجاد طرق جديدة لدعم البحوث النظرية والتطبيقية في جامعات المملكة، بإنشاء جهاز أو إدارة تعني بدعم البحوث خاصة في هذه المرحلة من بناء المدن. هذه الطرق تتمثّل في الاستفادة من تجارب الجامعات والمراكز البحثية العالمية الخاصة بالتمويل والتعامل المباشر مع الباحث، والتخلِّي عن الأساليب القديمة في منح المخصّصات المالية، وإعطاء الباحث أكثر ثقة وصلاحية في إدارة بحثه.
نتطلّع إلى تحقيق التميُّز وفتح آفاق التطوير لجلب المعرفة والمهارات في مجال البحوث الأساسية والتطبيقية، واستقطاب الكفاءات العلمية المتميزة من العلماء، للمساهمة مع الباحثين السعوديين للاستفادة القصوى من الخبرات المتراكمة في معظم مجالات المعرفة والتقنية التي تحتاجها المملكة، والمشاركة في أولويات الأبحاث المراد تمويلها في التنمية، ومساعدة القطاع الخاص لحل بعض الإشكالات وتطوير مجال العمل. فعلى الهيئة السعي إلى تشجيع ودعم الصناعات الوطنية للنهوض إلى العالمية، من خلال التركيز على المجالات البحثية، لنقل مفهوم التوطين المعرفي والتقني إلى المملكة، وحث الشركات المستثمرة والمشاركة في البناء والتجهيزات المساعدة .. كلُّ هذا يتم - بإذن الله تعالى - بتخصيص نسبة من الاستثمارات الخاصة لبناء المدن الاقتصادية، لدعم البحوث في جامعات المملكة.
* المشرف العام على إدارة المدينة الجامعية بالدمام - جامعة الملك فيصل
mnjadid@yahoo.com