ثمة علاقة محورية إيجابية وطيدة بين جرائم الإرهاب وبين المرجعية النفسية والاجتماعية والعقدية لعقول من يرتكبونها من البشر .. هذا ما أكده العلم سواء في مجال العلوم السياسية (الإرهاب والعنف السياسي) أم في مجال العلوم الاجتماعية (علم الجريمة)، وهذا ما حذّر منه خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز - حفظه الله - في حديثه قبل عدّة أيام في جامعة الأمير نايف للعلوم الأمنية، عندما أشار إلى أنّ (العقول المريضة لا تولد إلاّ في أشد العقول ظلاماً وضالاً).
إذن فإنّ العلوم والحقائق والواقع، أثبتت وجود علاقة إيجابية بين الجريمة والإرهاب من جهة، ومن الجهة الأخرى بين الفكر الإرهابي ومن ثم نتاجه من الفعل الإرهابي. فالفعل الإرهابي لا يمكن أن يسبق الفكر الإرهابي، بمعنى آخر لا يمكن أن يظهر جرم الإرهاب إلى السطح ويتفجّر في شكل ما من أشكال الحقد والضغينة، إلاّ بعد أن تسبقه تفاعلات سلبية لعقل مريض بنفسية مريضة مختلة (سيكولوجية سلبية) حاقدة يائسة، لا ترى الواقع بحقائقه ووقائعه وألوانه الحقيقية، لا بل وناقمة على البيئة الاجتماعية والسياسية التي تيعش فيها لأتفه الأسباب.
من هنا يمكن القول تباعاً إنّ الإنسان الطبيعي دائماً ما يفكر بشكل طبيعي وبمستوى نمطي طبيعي وبطريقة طبيعية معروفة متبعة ومألوفة، تنعكس بالخير العميم على أفعاله وسلوكياته وأعماله تجاه ذاته وأهله والمجتمع كله. لكن على النقيض من ذلك، يأتي الإنسان النشاز الذي يفكر بشكل نمطي شاذ وبطريقة منحرفة غير متبعة ولا مألوفة، لتنعكس وبالاً على أفعاله وسلوكياته وأعماله السلبية التي تؤثر سلباً على نفسه وأهله والمجتمع كله.
النفسية المريضة هذه مهيأة للاستخدام كما أشار الملك عبد الله، إذا ما حوّلها الفكر المنحرف إلى أدوات للقتل، خصوصاً إذا ما تأثّرت بخطاب التطرُّف والغلو، بعد أن تقع فريسة سهلة لخطاب زعامات الضلال التي تحرص على شحن عقول الشباب بكل ما هو باطل ومنحرف خاطئ، ومن ثم توظّف أرواح ودماء الشباب من أجل تحقيق أطماعها ومصالحها الخاصة. بمعنى أكثر دقّة تتصيّد زعامات الإرهاب بعض الشباب من ذوي النفوس الضعيفة والعقول المظلمة لتخضعها لحركة نشطة من التجييش الفكري والعقائدي، ومن عمليات الاستلاب الفكري تركز وترتكز على منطق عقائدي مظلم ومتطرف.
لهذا لا بد من محاربة الفكر المنحرف والزعامات المنحرفة التي تؤثر فيه وتقوده وتوجِّهه، فملحمة الحرب الوطنية على الإرهاب لا يمكن أن تتوقف أو تهدأ لأنها ببساطة ملحمة وطنية وقضية مصيرية استراتيجية، لا بد من أن تنتصر فيها، كما أشار الملك عبد الله، الأكثرية المؤمنة على قوى الباطل من أهل البغي والعدوان، الذين تطايروا في مهب الريح على مدى التاريخ.
صحيح أن تنظيم القاعدة ومن ينتمي إليه أو يتبعه تمكنوا من ضرب الأُمّتين العربية والإسلامية في الصميم، بعد أن ألصقوا تهم الإرهاب والتطرف فيها، بيْد أن ذلك الهدف، بالإضافة إلى هدف تجييش الأُمّتين ضد العالم الخارجي وقوقعتهما وعزلهما عنه، لا يمكن أن يتحقق طالما بقيت واستمرت مسيرة الإسلام وأكثرية المسلمين التاريخية في طريقها القويم الصحيح.
هذا ما تأكدنا منه من أفعال عناصر وأتباع تنظيم القاعدة في اليمن، عندما ضربت أيديهم في عمق السياحة التي تُعَد قاعدة الاقتصاد اليمني، وأيضا في العراق عندما تحالف تنظيم القاعدة مع الشياطين من أجل تحقيق أهدافه ومصالحه. ولعلنا لن ننسى بلاد المغرب برمّته من الجزائر إلى تونس ومن ثم إلى المغرب، وأخيراً وصلت عناصر الإرهاب إلى موريتانيا الدولة التي تتكاثر التساؤلات حول مسببات دخولها في قائمة تنظيم القاعدة، ومحاولته إقحامها في دوامة العنف والإرهاب.
وصحيح أيضا أنّ زعامة القاعدة نجحت في تفجير فتن دينية ومذهبية وطائفية في جميع أنحاء العالم، لكن هذه حقيقة واحدة من حقائق التاريخ الذي يؤكد أنّ جماعات الضلال والتطرُّف والغلو مهما خططوا وفعلوا وبلغوا من أهدافهم أيما مبلغ، فإنّهم ينتهون في نفايات التاريخ في نهايات مأسوية لا يحسدون عليها، التاريخ يؤكد أنّ الحق لا يمكن أن يلغيه الباطل، كما وأنّ محاولات المتطرفين لوقف مسيرة التاريخ لا يمكن أن تنجح، ناهيكم عن أن تتحقق.
drwahid@com