مناسبة مباركة في مساء مبارك سعدنا خلالهما بتشريف صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز أمير منطقة الرياض رئيس مجلس إدارة دارة الملك عبدالعزيز، حيث أعلن انطلاقة مشروع (موسوعة الحج والحرمين الشريفين)، والتي يشرف عليها سموه الكريم وتنجزه الدارة مع معهد خادم الحرمين بجامعة أم القرى.
لقد أولت المملكة منذ تأسيسها على يد الملك عبدالعزيز - رحمه الله - ومن بعده أبناءه البررة، شؤون الحج والحرمين الشريفين كل العناية حتى هذا العهد الزاهر بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز وسمو ولي عهده الأمين - جزاهم الله خير الجزاء -، ولذلك فإن موسوعة الحج والحرمين الشريفين تعد إنجازاً جديداً سينال الاهتمام البالغ من المؤرخين والباحثين، فما أكثر المراجع والمصادر التي تناولت جهوداً وأفردت صفحات واسعة لجهود الملك عبدالعزيز - طيب الله ثراه - وإخلاص آل سعود الكرام في خدمة الحرمين الشريفين وضيوف الرحمن، ولكن هذه الموسوعة هي أكبر من مجرد رؤى، أو سجل شواهد، أو مشاهدات مؤرخ، أو انطباعات راصد من منظور فردي، وإنما موسوعة متكاملة توفرت لها كل مقومات البحث العلمي الدقيق.
والحقيقة أن سموه الكريم ملأ تلك الليلة المباركة بمشاعر حميمة وحقائق مضيئة وإضاءات عودنا عليها سموه حفظه الله، باعتباره صانع تاريخ وشاهد عيان وقارئاً من الدرجة الأولى، فالأمير سلمان بن عبدالعزيز دائماً ما يغمر سموه الحضور في لقاءاته وفي مجلسه العامر من هذا النبع التاريخي والقيمي والمعرفي، وفي كلماته للمؤتمرات والندوات يفاجئ المشاركين بعمق قراءته للأحداث والوقائع، كما عودنا سموه على آرائه وحكمة قراراته وعزم إرادته بما أنعم الله عليه ببصيرة ورؤية ثاقبة وذاكرة خصبة أدامها الله عليه ومتعه بالصحة والعافية.
لقد ضرب الملك عبدالعزيز - رحمه الله - المثل الصادق في هذه المسؤولية العظيمة، وكانت أولى إنجازاته المهمة بعد ملحمة التوحيد هي أمن الحج والحجيج وراحة ضيوف الرحمن والعناية بالحرمين الشريفين التي انطلق منهما شعاع العلم وضياؤه مثلها شهدت أم القرى أولى المؤسسات المهمة بالدولة وتستمر المسيرة المباركة لأبنائه البررة، وها هي الإنجازات الجديدة العظيمة التي أمر بها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز تجسد ذلك، وها هي الموسوعة العظيمة عن الحج والحرمين الشريفين تنطلق من خلال دارة الملك عبدالعزيز بكل إمكاناتها الهائلة في الحفاظ على التاريخ والتراث وجامعة أم القرى بإمكاناتها العلمية والبحثية أيضاً.
في تلك الليلة المباركة وفي رحاب العاصمة المقدسة، كان الجمع الطيب أمام قامة كبيرة وشخصية فذة، وقد حاضر سموه الكريم عن شخصية الملك عبدالعزيز وعن الصدق الإيماني الذي لازمه، وعن مسؤولياته الإسلامية وعن صفاته وحكمته وحنكته.. عن حزمه وعزمه وبصيرته - رحمه الله -، ومن ذلك ما استشهد به من شهادة الشيخ عبدالله خياط - رحمه الله - من أن الملك عبدالعزيز كان يقوم الليل ويستمر في مناجاة ربه بآياته ويتضرع إليه ويبكي بكاء الثكلى ويستمر على هذا الوضع حتى قبيل الفجر فيوتر ثم يصلي الصبح في جماعة.
إن الأمير سلمان وهو يروي ذلك أمانة للتاريخ، إنما ليس ببعيد عن هذه المناقب العظيمة في الكرم والعفو والعدل والإحسان والإنصاف للضعيف والإنسانية العميقة والتربية الأصيلة.. واليوم نبحث عن كل هذا ونتساءل: أين نحن في حياتنا وأسرتنا وتجاه أبنائنا وجيراننا وأهلنا؟ وليس أدل على ذلك من تأكيد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز - حفظه الله ورعاه - على ضرورة المحافظة على الأسرة كركيزة للمجتمع، وها هو سمو الأمير سلمان يفصّل لنا كيف تكون الأسرة وكيف تكون التربية على النهج الإسلامي كما طبقه المؤسس الملك عبدالعزيز تجاه أبنائه.
فقد أشار سموه إلى أن (الملك عبدالعزيز كان يتابع أبناءه في جميع الأمور، خاصة الصلاة والدراسة، وقد خصص المؤسس - رحمه الله - غرفة في قصر المربع ليحجز فيها كل من يتخلف عن الصلاة معه بما في ذلك صلاة الفجر. يقول سموه: (كتب واحد من أبنائه الذين جربوا تلك الغرفة في يوم من الأيام، وكنا نهاب عدداً من الرجال من خاصته الذين يكلفهم بإيقاظنا ومتابعتنا يومياً في أداء الصلاة).
وفي موضع آخر عن النهج التربوي من الملك المؤسس تجاه أبنائه يروي الأمير سلمان قائلاً: (ولحرص الملك عبدالعزيز على متابعتنا في الدراسة كان يكلف أحد خاصته بالوقوف أمام المدرسة لتفقدنا عند الدخول وإبلاغه بمن تغيب منا أو تأخر عن الحضور).
أما الأبعاد الإنسانية في شخصية الملك عبدالعزيز فلا حصر لها، بل هي سجل حافل العطايا والكرم، وهو ما زرعه في نفوس أبنائه البررة، وقد روى سمو الأمير سلمان الكثير من المواقف التي جسدت شخصية الملك عبدالعزيز ويواصلها أبناؤه - حفظهم الله - من تفقد أحوال المواطنين والرعاية والرفق واللين ونصرة الضعيف والمظلوم، وأنصع معاني الإنسانية وقضاء الحوائج لإخوانه وأبنائه المواطنين.
كثيرة هي الجوانب المضيئة التي أتاحها لنا سمو الأمير سلمان في مناسبة إطلاق مشروع موسوعة الحج والحرمين الشريفين، وكل ما نأمله أن نخلص في قراءة هذا التاريخ المضيء لإنسانية ولاة أمرنا ورعايتهم الكريمة لنا وأن نكون أمناء على أبنائنا من الأجيال ليكون منهاجنا ومسيرتنا قولاً وعملاً ونبراساً للأمم ورسالة حضارية إلى العالم. نسأل الله أن يحفظ قيادتنا الرشيدة وولاة أمرنا وأن يديم على وطننا هذا الخير العميم والأمن الوارف.