كانت تهيم على وجهها بين أروقة المسؤولين.. تطالب بحقها المسحوق تحت أقدام الآخرين.. تنظر بحرقة إلى صغيرها الذي كادت تفقده بلمح البصر.. وأطلقت مع يقينها كل زفرات الألم.. وصارت تتخبط من الحيرة.. أي الأبواب أطرقها.. وأي الأبواب ستفتح لي.. تقول: خُيل إليَّ في لحظة يأس أن الأبواب كلها موصدة.. وأن الزمن يجرب صبري.. ووالله لو كانت القضية تخص مالاً أو جاهاً لهانت عليَّ المسألة.. ولكنها تخص (رجولة طفلي) وأخشى أن يستمر هذا الموقف معه حتى تكون نتائجه سلبية ووقعه أليم.. قذفت الكرة في كل الملاعب ولم يقذفها مسؤول في ملعبي.. وتقيد القضية في كل مرة للحق العام متجاهلين حقي الخاص؛ لأنها مع شخص يملك مفاتيح (الواو).. حملت جراحي.. وجمعت أوراقي.. ووقفت بي أقدامي على أبواب مجلس أمير منطقة القصيم.. تقول: لم أعان من الدخول إليه.. فقد كان أسهل من الدخول على مدير أحد الدوائر الحكومية.. كانت أبوابه مشرعة.. وترتجف كل أعضائها.. وكاد يزيغ منها البصر.. إلى أن منحها الفيصل الشعور بالأمان قائلاً: حاولي أن تهدئي لكي أسمع منك وأعرف كيف أتعامل مع قضيتك، قالت له: ياسيدي إن قضيتي مع مسؤول وأخشى أن يضيع حقي.. فقال لها الفيصل بصوت الرجل المسؤول: لو كان حقك عندي لأخذته لك.. كلمة لو توضع في ميزان لرجحت بكل قواميس اللغة.. ولو قيست بالأفعال لكان لها السبق في تحقيق الآمال وتضميد اللغة.. خرجت من عنده.. ولا يزال صوته العذب يخترق حواسها.. وهي تردد خلف إحساسها بصوته.. أن لو كان حقي عند الفيصل سيأخذه لي.. أي ديمراطية هذه وأي شعور بالمسؤولية منحها الأمل لمجرد أنه أحس برجفة عظامها.. وأكدت لها بأن الحقوق هنا على طاولة الفيصل لا تضيع.. وأن سموه يسمو في هذا المكان لأجلها وغيرها من المظلومين والمغلوبين على أمرهم.. يخيل إليَّ أن الفيصل مثل جراح ماهر.. قبل أن يستأصل المرض من جسد هذه السيدة.. منحها دواء يخفف من روعها ويعطيها الراحة وعدم الفزع.. وهي تروي لي قصتها.. كانت تعلو وجهي ابتسامة بحجم السماء سألتني هل الأمي منبع للضحك .. قلت لها: إنما هي ابتسامة إكبار وإجلال لما يدور في سمعي.. لست وحدك
يا عزيزتي من دخلت مجلس أمير المنطقة.. وعادت تحكي لي التفاصيل.. كثيرات أولئك اللاتي أوقف الفيصل نزيف جراحهن.. وامتص حزنهن كثيرات اللواتي همسن في أذني: أن لولم يأتينا من هذا اللقاء سوى محياه الضاحك وحديثه البلسم لشفيت كل جراحنا..
هكذا الفيصل.. كما رأيته.. وسمعت عنه.. وقرأت تفاصيل مواقفه النبيلة.. يضمد الجراح.. وينصر المظلوم.. ولا يعير الطبقية شيء من الاهتمام.. أقسم على نفسه أن يكون مع المواطن.. وأقسمنا على أنفسنا أن نكون معه..!!