منذ القدم وحينما كانت هذه الرقعة العزيزة من الجزيرة العربية والتي تقع في منتصفها بالضبط ونعني بذلك (نجداً) على وجه التحديد بمثابة مراع شاسعة تتجول فيها القبائل العربية الضاعنة والتي تعتمد في معاشها على الإبل والماشية وقليلاً من الزراعة التي تتركز في بعض واحاتها وحواضرها كان اعتماد المرء فيها على منسوب الأمطار الموسمية والتي إذا ما أراد الله وشاء جادت بالغيث فأمرع الزرع وامتلأ الضرع وتحولت هذه الصحراء الجرداء إلى حدائق غناء من الفياض والرياض وأخصب الناس في الحاضرة و(ألين) أهل البادية وعم البلاد والعباد الخير الوفير، ولكن إذا ما جاء على هذه البلاد حين من الدهر وجف الزرع وشح الضرع وتوالت السنون العُجاف ولم يجد المرء ما يأكله فإنه يُيمّم وجهه إلى البلدان المجاورة بحثاً عن الرزق والعمل والتجارة ومساقط المياه التي احتبست عن بلاده الغالية لذلك توالت الهجرات النجدية منذ القدم إلى بلاد الرافدين أو بلاد الشام بحثاً عن العمل والمرعى أو اتجه إلى سواحل الخليج لامتهان أعمال لا تتفق مع ثقافته الصحراوية أو انخرط أهل الحاضرة بالأعمال التجارية في عواصم تلك البلدان، وكانت تلك الهجرات (الأخيرة) في أغلبها هجرات مكوكية من وإلى نجد وبالعكس. بحيث يمكننا القول إن تلك الهجرات أفرادية أي يقوم بها الأفراد دون الجماعة لا سيما في أواسط القرن المنصرم حينما اتجه العديد من شبان هذه البلاد إلى بعض دول الخليج بحثاً عن الوظيفة والعمل وخصوصاً في السلك العسكري.
***
* صحيح أن العديد من أبناء هذه البلاد الغالية قد عادوا إلى وطنهم الأم لا سيما في أعوام (الطفرة) وترك بعضهم حتى (حقوقه المادية) التي استحقها خلال تلك الخدمة في بلدان الخليج، كما أن أغلبهم وإلى حدّ الآن لم يستفد من قانون التقاعد أو الضمان الاجتماعي الذي أقرّ في تلك البلدان لأنه يشمل أبناء تلك البلدان فقط. واليوم وحينما اتفقت جميع دول مجلس التعاون الخليجي على معاملة الأفراد الذين ينتمون لتلك الدول ويعملون في بلد خليجي غير بلدهم الأم وبمعاملتهم معاملة مواطني البلد الذي يعملون به من حيث التقاعد أقول إن هذا القانون المُنصف ولو جاء متأخراً قد أغفل أو لم يتطرق إلى العسكريين الذين عملوا أو ما زالوا يعملون في بلدان مجلس التعاون علماً بأن أغلب أولئك العسكريين هم من السعوديين الذين خدموا طويلاً في بلدان الخليج، أما فيما يخص السعوديين الذين يعملون في الوظائف المدنية في تلك البلدان فإن عددهم لا يكاد يذكر بالمقارنة مع أبناء بلدهم العسكريين الذين يعملون هناك. لذا فإننا نوجه هذا النداء الإنساني إلى الجهات المسؤولة عن هذا الأمر في الأمانة العامة لمجلس التعاون الخليجي لأن هؤلاء الرجال قد دافعوا وسيدافعون عن أية بقعة في خليجهم العربي إذا ما تعرض لا سمح الله لأي اعتداء.