بين أقسام علم الاجتماع هناك ما يعرف ب(هندسة المجتمع)، وتشمل بصفة خاصة الخطط الخاصة بسلامته وتجنيبه الكوارث. وهذا الأمر تكفل به الإسلام منذ قرون، من خلال وضع الأسس السليمة لبناء الأسرة وفقاً لتعاليمه السمحة التي تكفل حياة كريمة وخيرة للجميع، وتحثنا هذه التعاليم على التجويد الدائم على ما نفعل وفي وسائل وطرق عيشنا، بما في ذلك الاهتمام بالأمور الصحية..
وبشأن الصحة، خصوصاً، فإن البلاءات تتواتر كل حين وآخر، ومن ثم فقد وجب الاحتياط لها من أجل تدارك مآلاتها الوخيمة..
وكانت المملكة اعتمدت قبل عدة عقود طريقة الفحص قبل الزواج للتصدى لاستشراء بعض أمراض الدم التي تنتقل عن طريق الوراثة، وقد جاء قرار مجلس الوزراء الأخير بإضافة فحص أمراض الكبد والإيدز للمقبلين على الزواج في إطار هذا السعي المستمر لإعطاء برنامج الفحص قبل الزواج المزيد من الفاعلية والحيوية في ظل الانتشار الواسع للمرضين عالمياً..
وعلى الرغم من الروادع الكامنة في نفسية كل مسلم والتي تحول بينه والوقوع في الآثام والموبقات، وهي المسؤولة في المقام الأول عن انتقال الإيدز والتهاب الكبد الوبائي، فإن الوازع الديني في الكثير من الأحيان يتراجع أمام إغواءات الشيطان، ومع ذلك فإن انتقال هذه الأمراض قد يتم بطرق عديدة أخرى، تشمل بشكل خاص عمليات نقل الدم، وحتى استخدام الأدوات المشتركة كما في الحلاقة وغيرها..
ومع التسليم بوسائل الانتقال وتعددها فإن المواليد الجدد هم ضحايا الأخطاء والمعاصي التي يرتكبها الكبار، ومن ثم فإن برنامج الفحص قبل الزواج يسد هذه الثغرة بإخضاع المقدمين على الزواج لجملة من الفحوصات..
وينطوي قرار مجلس الوزراء، على جوانب توعوية مهمة، كما أنه يعزز من الوازع الديني ويعمل على تنشيطه من خلال التنبيه إلى المسؤوليات المترتبة على الأزواج الجدد وما ينبغي عليهم تجاه الأجيال المقبلة التي هي ثمرة لزيجات عديدة تتم يومياً..
ففي المملكة فإن هذا الأمر يتعلق بحوالي ربع مليون زيجة سنوياً، وإذا قدر لكل هؤلاء التقدم إلى الفحص قبل الزواج، وهو أمر ملزم، فإنه مع تقدم السنوات يمكننا النظر إلى مجتمع يتمتع أفراده بصحة جيدة، قادرون على الوفاء بكل متطلبات المسؤوليات الوطنية العامة وتلك الأسرية. وفي كل ذلك تخطيط سليم من أجل بناء مجتمع آمن تختفي منه المنغصات التي تكبل الكثير من المجتمعات وتضعها في خانة التخلف، حيث الافتقار إلى هندسة الحياة التي تبعد الكثير من الشرور..