اختلفت كثيراً نظرة العالم الحديث إلى المدرسة، إذا لم تقف هذه النظرة عند اعتبارات المكان، ونوعية المنشأة التعليمية، لكنها تعدتها إلى المعنى التربوي والتعليمي الذي يجب أن يتوفر في المنشآت التعليمية.
إن مدارسنا التي أنشئت منذ عهد قديم إنما كان إنشاؤها لتلك الفترات التي كان يعتبر فيها الفصل الدراسي هو البيئة الأولى والأخيرة للتعليم وللتربية.
المدرسة العصرية لم تعد قائمة على أهمية الفصل الدراسي كحيز لتلقي العلوم، ولا على اعتبار الطالب متلقياً مباشراً لمفردات التعليم، المدارس ينبغي أن تصبح بيئة مختلفة الهدف والوسيلة، هذا ما يقول علماء التربية الحديثة الذين يؤمنون أن البيئة التعليمية يجب ألا تكون هندسية بحتة وبناءً يحتل مساحة مجردة من الأرض، إذا عدنا إلى مدارسنا عامة فإننا سنجد المباني التي عادة ما تكون متماثلة هندسة ومساحات، تلحق بها بعض المرافق التكميلية، والتي غالباً ما تكون مرافق رياضية، ومساحات بعضها صغير للفسح التي تتخلل اليوم الدراسي، وبتوالي الأيام والشهور والسنين، يتم استهلاك تلك المباني ومرافقها دون أن يتوازى مع ذلك الاستهلاك ما يلزم من الاستدامة والصيانة، فإن تم بعضها فإنما يأتي كنوع من الترقيع أو الترميم الذي لا يتناسب وحجم الاستهلاك الكبير في هذه المنشآت، ما يعني الاقتراب السريع من نقطة انتهاء العمر الافتراضي لهذه المنشآت.
على الرغم من الكلفة العالية التي واكبت إنشاء مدارسنا وجامعاتنا إلا أن هذا الارتفاع لم يشفع لتلك المنشآت بالاستمرار في تقديم الخدمات المطلوبة بشكل مرضٍ، وعليه فإنه يجب إعادة النظر في أكثر من أمر من أمور المنشآت التعليمية، من حيث شكلها، ومساحتها، وصيانتها، وتكلفة إنشائها.
فالمدرسة العصرية يفترض أن تحوز أعلى قيمة هندسية بأقل تكلفة ممكنة، ويجب أن ترافق ذلك استراتيجية صيانة واضحة وناجحة تواكب حجم الاستهلاك، وصالحة للتطوير والتوسع في خدماتها بتوسع الحاجة إلى زيادة مساحة المدارس مبانٍ ومرافق.
إن التربويين الحديثين يوصون، بل يصرون على أن تكون مرافق وبيئة المنشأة التعليمية هي الأساس بما في ذلك المرافق الصحية والرياضية، والفضاءات اللازمة والذي من شأنه أن يسهم في إعداد شخصية الطالب واحترامها وذلك سيؤدي إلى ألا يبقى الطالب متلقياً لكنه سوف ينزع إلى البحث عن قدراته ومواهبه واهتماماته ويصبح تركيز المدرسة منصباً على اكتشاف هذه القدرات وتنميتها، والخروج من الجو التلقيني المعتمد في مختلف مدارس التعليم العام والخاص.
نحن في حاجة ماسة إلى تطوير رؤيتنا التعليمية، والانتباه إلى قدراتنا في ذلك، إذا لا توجد دولة إقليمية رصدت لتطوير التعليم أكثر من تسعة مليارات ريال سعودي بمبادرة قائده من قائدٍ ملهم هو عبدالله بن عبدالعزيز خادم الحرمين الشريفين، في الوقت الذي لا يزال فيها الكثيرون لا يقفون برؤية ثاقبة على ما يستجد في العالم من تحديث وتطوير لمعنى التربية والتعليم... وتاليتها؟!!