خرج لقب دكتور من دائرته العلمية الضيقة وأصبح لقباً تشريفياً كقول المصريين باشا. وهو بالفعل كذلك ليس غريباً أن ترى الناس ينادون حامله بدكتور دون ذكر اسمه ودون مناسبة، بل إن بعضهم نسي اسمه الحقيقي وحتى في البيت تجد أن زوجته تردد (أمس رحنا أنا والدكتور للسوق) (ما أظن الدكتور بيوافق) (والله الدكتور ماش ظهره ذابحه) وكأن الأخ لا اسم له. الناس الذين تعرفوا عليه بعد الدكتوراه لا يعرفون اسمه. راعي تغيير الزيت يسميه الدكتور وراعي البقالة يسميه الدكتور وإمام المسجد يسميه الدكتور حتى الأطفال في الحارة (لا تلعبون عند سيارة الدكتور) وهو نفسه ما يقصر. لا يمكن أن يقدم نفسه بدون اللقب حتى لو كان يقدم نفسه لبياع بنغالي في أسواق عتيقة. هذا الكلام الأخير ليس مجرد تصور بل تجربة. أتذكر كنت مرة في بقالة كبيرة. سمعت فجأة البنغالي ينادي: يا دكتور فلبى رجل يقلب بين يديه حبة باذنجان. قال البنغالي هذا باذنجان كويس يا دكتور (يبدو أن هناك معرفة مسبقة) فقال الدكتور بصوت يشي بالروح العلمية وكأنه في حوار مع زميل في أحد مختبرات ناسا: إيه بس باين عليه بايت. ثم امتد الحوار إلى كل باذنجانه على حده (الدقة العلمية) بعدها انتقل إلى سحاحير الخضار الأخرى. على فكرة كان الدكتور يرتدي ثوب نوم مقلم. وبدون غطاء للرأس كاشفاً عن صلعة لامعة صقلها طول التفكير في الباذنجان والمصقعة. يبدو أنه يأتي هنا باستمرار. لعله يسكن في الحي المجاور. من الواضح أنه من الدكاترة العميقين. لو زرته في بيته ستجد على بابه، اسمه مزينا بكلمة دكتور وكروته مطبوعاً عليها دكتور وحتى اللوحة التعريفية التي يضعها على طاولته عليها لقب دكتور. أظن أن هذه الحالة انتقلت إلينا من مصر التي ورثت الألقاب أصلا من تركيا. فبعد أن قامت الثورة المصرية أزالت الألقاب ولكن الناس لا يتخلصون من عاداتهم بسرعة. ظلت علاقة بعض الناس بالألقاب الشرفية قائمة. لم يتردد هؤلاء عن استغلال الألقاب العلمية لكسب الوجاهة التي ينشدونها. فانحدرت رسائل الدكتوراه انحداراً مريعاً أصبح اكتسابها أسهل من اكتساب الشهادة الابتدائية. تستطيع أن تحصل عليها بقليل من المال وبدون جهد (يعني وأنت قاعد في بيتك) بعضهم لا يخبرك من أين حصل على هذه الدكتوراه يكتفي بالقول من شمال الولايات المتحدة أو من جنوب ولاية الينوي أو من مصر الخ. عنوان عام لا يشير إلى جامعة أو أكاديمية محددة. هناك جامعات معينة توسعت في منح هذه الشهادة حتى دخلت المرحلة النهائية من السخف (لا داعي لذكر أمثلة أنظر الترتيب العالمي للجامعات لتعرف). ليست المشكلة في الحصول على الشهادة واكتساب اللقب. من حق أي إنسان أن يشتري ما يريد ومن حقه أيضا أن يخادع نفسه. المشكلة أن هذه الشهادات مازالت تساعد أصحابها على الترقي في الوظائف والوصول إلى مراكز قيادية واستشارية مرموقة. تكلف الدكتوراه حولي ستة آلاف ريال نضيف عليها ثلاثة آلاف سعر البشت لنعرف أن كلفة منصب استشاري رفيع جداً لا تتعدى تسعة آلاف ريال.
فاكس : 4702164
yara.bakeet@gmail.com