Al Jazirah NewsPaper Monday  14/04/2008 G Issue 12982
الأثنين 08 ربيع الثاني 1429   العدد  12982
نهارات أخرى
خطر المنهج الخفي في مدارسنا!
فاطمة العتيبي

ثمة منهج خفي أو موازٍ يطبِّقه المدرِّسون والمدرِّسات في فصولهم .. وتطبِّقه المدارس عبر خطة أنشطتها الداخلية .. وقد نفت وزارة التربية والتعليم وجود منهج خفي في مدارسها ..

وهي ترى أنّ خطتها في الأنشطة واضحة وجليّة وغير متروكة للاجتهادات ..

وهذا كلام جميل .. ولكنه مثالي ومتناهٍ في الاستحالة في تنفيذه ..

** فالمنهج الموازي الذي يساند المنهج الرئيسي الذي تقنِّنه وزارة التربية عبر كتبها أو أقراصها المدمجة (الحديثة) أو عبر أنشطتها المحدّدة .. هو منهج المعلم ذاته وثقافته واتجاهاته ويليها اتجاهات جماعة المعلمين ومديرهم أي اتجاه المنظمة ورغباتها وما تريد أن تصل إليه في النهاية من مخرجات طلابية .. ولن نفكر أنّ لدينا مدارس مختلفة ومتفاوتة في أهدافها بل وأحياناً متناقضة مع المنهج الرئيسي المعتمد!!

** المنهج الموازي أو الخفي هو الذي يصوغ تفكير التلاميذ والتلميذات وليس المنهج المحدّد والمقنّن من قِبل متخصصين ومتخصصات وذلك أمر من الصعب التحكُّم فيه .. فالوزارة مهما أوتيت من قدرات إدارية وتنظيمية لن تتابع كلمات المعلم وأقواله وأفكاره وأنشطته التي ينوِّع فيها ليصل إلى ما يريده في النهاية من تلاميذه ..

** سأورد مثالاً على المنهج الخفي وكيف يسير موازياً للمنهج الرئيسي وكيف تختلف صياغته وتطبيقاته وفي النهاية نتائجه على التلاميذ ..

** نص عن الوطن ..

سيشرح المعلم (س) قيمة الانتماء ومظلّة الوطن والحنين إلى مراتع الصبا .. ثم سيعرج على أمثلة من القرآن والسنّة تدلّل على ارتباط الإنسان بالأرض ..

ويقدم أفلاماً على (البروجكتر) عن آثار قديمة وعريقة ومتنوّعة في الوطن وردت أسماؤها في قصائد شهيرة ..

ثم سيعرض فيها عن التحديث والتطوير الذي يشمله الوطن .. ثم يقدم فيلماً عن شاب يدرس ويتخرّج ويعمل في مصنع .. تتسخ ملابسه .. وتتخضّب يداه بألوان السواد، ثم يخرج إلى منزله بعد ساعات طويلة من العمل يقبِّل رأس أبيه وأمه ويلاعب أشقاءه الصغار ويخرج في المساء إلى مقهى مع أصحابه وهو (يؤدي) فروضه الخمسة في المسجد .. ثم بعد سنوات يظهر الشاب رجلاً ناضجاً يمتلك مصنعاً ومنزلاً ولديه أطفال .. ويقف في أحد مواقع مصنعه الكبير يحتوي الوطن كله حباً وعملاً ..

** الرسالة الخفية التي قدمت للتلاميذ .. إنّ الوطن حب وعمل وانتماء وتغذية مرتدة .. فكلّما أعطيته أعطاك ..

** معلم آخر .. (ص)

يدرس نص الوطن .. وسيلته التعليمية خريطة (الوطن الإسلامي) يقدم صوراً لمكة المكرمة والمدينة المنورة ..

ويتحدث عن قيمة الوطن من خلال المعنى المقدّس في هاتين المدينتين .. يروي للتلاميذ هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة وهجره لأرضه وبلاده من أجل دينه .. وتكون له المدينة الوطن الجديد الذي احتواه ونصره ..

يتحدث مع الطلاب عن أنّ الانتماء يكون لمبدأ وليس لأرض وإنّ الوطن هو الذي ترزق فيه وليس الأرض التي وُلدت فيها .. وإنّ كلمة الوطن مجازية تعني المكان الذي تحقق فيه أحلامك .. ويمضي المعلم يتحدث عن الوطن الكبير .. الذي يمتد من الماء إلى الماء ..

ويتحدث بشغف عن الخلافة الإسلامية المركزية في الدولة الأموية ثم العباسية، ويمتد به الأمر إلى الحديث عن الدولة العثمانية وسقوطها، وتقسيم الغرب للبلاد الإسلامية إلى دويلات تحت مسمّيات مختلفة ليسهل قيادها .. وغزوها عسكرياً وفكرياً ..

** خرج الطلاب حانقين على كلمة (وطن) مستشعرين بما توحيه من مؤامرة استعمارية كبرى .. الانتماء لديهم موجَّه إلى فضاءات عائمة وغير محدّدة .. إلى مصطلح أمة وليس وطن!!

** نص الوطن شُرح وأُدِّي المنهج واختبر التلاميذ ونجحوا .. لكن أين ذهب كل فريق منهم .. لقد صاغ المعلم تفكيرهم وأعدّهم لما يريده هو ووفق اتجاهاته، وذلك عبر المنهج الخفي أو الموازي إنْ سلباً وإنْ إيجاباً!

** فهل مازلنا ننفي وجود منهج خفي في مدارسنا!؟!!



fatemh2007@hotmail.com
لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 5105 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد