كثر الجدل في الآونة الأخيرة حول علاقة الريال السعودي بالدولار الأمريكي، وطرحت العديد من الأسئلة، هل تفك المملكة العربية السعودية ارتباط عملتها بالدولار الأمريكي؟ هل تغير سعر صرف الريال السعودي بالدولار الأمريكي؟ والسبب الرئيسي لهذا الجدل هو ما يعانيه المجتمع السعودي من ارتفاع متواصل في المستوى العام للأسعار، وهو ما أدى إلى وصول معدل التضخم إلى مستويات شبه قياسية. ويرى بعض الاقتصاديين أن من أهم أسباب هذا التضخم هو ضعف الدولار الأمريكي الذي انخفضت قيمته إلى مستويات قياسية بسبب تباطؤ نمو الاقتصاد الأمريكي ومعاناته من أزمة الائتمان والرهن العقاري وارتفاع أسعار الطاقة وخاصة البترول، في حين يرى آخرون أن عوامل أخرى هي وراء ارتفاع المستوى العام للأسعار مثل ارتفاع الإيجارات وأسعار بعض المواد الأساسية، وأن هذه العوامل المحلية هي التي تزيد معدل التضخم بالدرجة الأولى. وأياً كانت الأسباب، ومهما جاءت تفسيرات الاقتصاديين لظاهرة ارتفاع المستوى العام للأسعار، وهي ظاهرة مقلقة وأصبحت تشكل هاجساً للمواطن العادي، إلا أن الإشارات الرسمية تستبعد أن تتخذ مؤسسة النقد العربي السعودي (ساما) أي إجراءات فورية حول علاقة الريال السعودي بالدولار الأمريكي، إذ أكد محافظ (ساما) أمام مجلس الشورى في شهر فبراير 2008م الماضي أن (المملكة العربية السعودية ستبقي سياستها في مجال النقد وسعر الصرف دون تغيير في الوقت الحاضر).
ويبدو أن هذا الجدل الدائر حول علاقة الريال السعودي بالدولار الأمريكي قد خلط بين مسألة تغيير سعر الصرف وبين مسألة ربط الريال السعودي بالدولار الأمريكي، وهما مسألتان مختلفتان تماماً فيما يتعلق بأثرهما على معدل التضخم. ولهذا يرى بعض الاقتصاديين أن تغيير سعر الصرف يجب أن يؤخذ في الاعتبار ضمن سلسلة من الإجراءات لمواجهة ارتفاع المستوى العام للأسعار ومعالجة التضخم، خاصة وأن المملكة العربية السعودية تستورد الكثير من احتياجاتها، وبالتالي فهي تواجه، بالضرورة، التضخم المستورد بسبب انخفاض قيمة الريال السعودي أمام العملات الرئيسية نتيجة استمرارها في تثبيت سعر صرف الريال السعودي عند مستوى 3.75 ريال سعودي للدولار الأمريكي، والذي اعتمد عام 1986م، أي قبل 22 عاماً، ولم يتغير حتى الآن ومواجهة التضخم المستورد أصعب من ذلك الذي ينشأ من عوامل محلية قد يمكن السيطرة عليها.
ويعتقد البروفيسور جيمس هيكمان، الحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد عام 2000م، أنه من الأفضل استمرارية ارتباط الريال السعودي بالدولار الأمريكي كإجراء ناجح في الأجل الطويل، وفق تصريح له لجريدة الجزيرة (السبت 5 أبريل 2008م).
ويصعب على باحث اقتصادي مستقل أن يرجح رأياً دون الآخر في هذه المسألة دون أن ينظر بموضوعية إلى تبعات أي إجراء على الاقتصاد السعودي، والوصول إلى هذا الرأي المرجح يحتاج إلى حزمة من المعلومات غير المتاحة. ولذلك فإن غياب مثل هذه المعلومات الأساسية يخلق درجة من الضبابية قد يصعب معها الوصول إلى رأي موضوعي، إذ أنه من المتوقع أن يكون لأي إجراء مزايا وعيوب، والإجراء الصائب هو الذي يحقق القدر الأعلى من الفوائد للاقتصاد السعودي، ولعل من بين هذه المعلومات غير المتاحة تلك التي تتعلق بحجم الاستثمارات الحكومية المقومة بالدولار الأمريكي ودرجة مرونتها وما يمكن أن تتأثر به هذه الاستثمارات جراء تغيير سعر الصرف بين الريال السعودي والدولار الأمريكي.
وهذا مثال بسيط على مأزق غياب الشفافية في المعلومات الاقتصادية الرئيسية الذي يعاني منه الباحث الاقتصادي المستقل، هذا بافتراض أن هذه المسألة هي أصلاً مسألة اقتصادية وليست سياسية، كما أكد ذلك وزير المالية أمام مجلس الشورى في شهر فبراير 2008م الماضي.
فإبداء الرأي في قضايا الاقتصاد يجب أن يرتكز على معلومات دقيقة حتى لا يميل الرأي إلى التنظير وفق أسس ومعايير عامة قد لا ينطبق بسببها على الواقع، ولعل هذه هي نقطة الضعف التي نفذ منها منتقدو آلان جرينسبان، محافظ بنك الاحتياطي الفيدرالي السابق في الولايات المتحدة الأمريكية، عندما دعا إلى تعويم الريال السعودي في كلمته أمام منتدى جدة الاقتصادي الأخير... وليبقى الجدل مستمراً.
*رئيس دار الدراسات الاقتصادية - رئيس تحرير مجلة عالم الاقتصاد - الرياض