الكراسي العلمية إرث أكاديمي عالمي معروف، ولعلّ من أشهر الكراسي العلمية في العالم كرسي (هنري لوكاس) بجامعة (كامبريدج) وعمره أكثر من 340 عاما،ً وقد شغله أكثر من 17 عالماً لعلّ أشهرهم على الإطلاق (إسحاق نيوتن) في نهاية القرن السابع عشر .. وهو في بلادنا سنّة حسنة بادر إليها خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين وأصحاب السمو الملكي الأمراء، واستنّ بهم دعماً للحركة البحثية والعلمية في جامعاتنا السعودية الشركات الكبرى ورجال الأعمال والمال أهل الخير والبذل والعطاء في هذا الوطن المبارك المعطاء، ومن بين هؤلاء الرموز الذين يتسابقون لكلِّ خير وتجدهم في كل ميدان رجل الأعمال المعروف معالي الدكتور ناصر بن إبراهيم الرشيد، ولأنني وبكل أمانة وصدق محب لهذا الرجل ومعجب به، ليس من منطلق مناطقي فحسب، ولا لأنّه في الأساس كان أكاديمياً متميزاً ولذا يحتفي بالأكاديميين ويأسن بهم ويأسون معه، ولا حتى كونه باحثاً متميزاً وقارئاً بامتياز يتابع حركة التأليف والكتابة، ويشجع ويدعم الباحثين والمبتدئين في مشوار الحرف الطويل .. ولكن - إضافة إلى كلِّ ما سبق - لأنني أعرف جانباً من خطوات هذا الرجل الخيِّرة والمباركة الداخلية والخارجية، وأزعم أنني أدرك كيف يفكر وما هي فلسفته في الحياة، وأومن بكثير من قناعاته الشخصية التي عرفتها عنه، إمّا سماعاً منه أو من كلام الأقربين عنه، أو حتى مما كُتب فيه من مقالات واستطلاعات، وربما اختيار الدكتور الرشيد هذه الكراسي الأربعة بالذات ( العين والقلب والمستقبل والوقاية من المخدرات) واختيار جامعة الملك سعود لاحتضانها، يعكس طرفاً من نظرة الرشيد الخاصة للمشاريع والأفكار والمؤسسات التي يدفع ماله فيها ولها طيبة بها نفسه وبلا تردُّد، فهو في نظري الشخصي يأخذ من كل موقف عبرة ودرساً، ولا يمر به حدث ذو بال إلاّ أجال النظر فيه طويلاً، وربما فتح له هذا الموقف باب خير وبذل وعطاء، بعد أن يوسِّع الدائرة في التفكير المجتمعي حوله، ومن ثم الخروج بقناعة جازمة تدفعه للبذل بسخاء لأي عمل يجزم أنه يصب في هذا الباب الخير المفتوح أمامه .. لقد أسس هذا الرجل قبل ما يقارب العشرين عاماً مركز الدكتور ناصر الرشيد لطب العيون في منطقة حائل بمبلغ وقدره ( 25.000.000 ريال)، ومنذ أشهر معدودة انتهت عملية التأهيل والتطوير الشامل لمبنى المركز، وتم تجهيزه بأحدث وآخر ما توصّلت إليه التقنية العالمية الحديثة في الأجهزة المتخصصة بهذا الحقل من حقول الطب الدقيق، ليس هذا فحسب، بل دُرب الأطباء والعاملون على استخدامها، وكان كما أسرّ لي من يعرف ذلك منه لم يكتف بدفع مبلغ (7.000.000) لهذه العملية الشاملة والمتكاملة، وإنما هو بذاته كان يتابع ويبحث في دول العالم عن الجديد والمتميّز وسهل الاستعمال، خدمة لهذه الشريحة التي هي غالباً من كبار السن، مع أنه على ثقة تامة بالجهود التي يبذلها مدير عام مكتب الرشيد للهندسة شقيقه الأستاذ صالح الرشيد، ولكنه هذه طبيعته وسجيته يتابع هو بنفسه أدق التفاصيل فيما ينبري له من عمل خيري يريد به وجه الله عز وجل، مبالغة في الحرص لتقديم الأجود والمتميّز للمحتاج، ولقد ولّد هذا البحث المضني والسؤال الطويل لدى الدكتور الرشيد القناعة التامة بأهمية الدراسات المتخصصة في طب العيون لدى جامعاتنا السعودية، لتواكب المخرجات الجامعية التقنيات الحديثة والدقيقة العالمية، ولذا كان منه المبادرة لتبنِّي كرسي طب العيون ( البصر) ..
ومرّ الدكتور الرشيد قبيل شهر رمضان المبارك العام الماضي بوعكة صحية في القلب، شفي منها ولله الحمد والمنّة، بعد أن أجرى عملية جراحية في القلب في مستشفى مايو كلينك بولاية أريزونا الأمريكية، وطبعاً لم يمر هذا الحدث دون أن يتوقّف عنده هذا الرمز الخير ليسجل حاجتنا إلى تطوير طب القلب في بلادنا، ولذا كان منه الإعلان عن ميلاد كرسي طب القلب ( البصيرة )، ولقرب معالي الدكتور من أبنائه وحرصه على تربيتهم التربية الصحيحة التي تجمع بين طرفي المعادلة الأصعب في حياتنا المعاصرة (الاعتزاز بالذات الحضارية الإسلامية ديناً وقيماً وسلوكاً من جهة، والتفاعل مع البناء الحضاري الغربي العالمي المتقدم والانخراط به بكل ثقة واقتدار من جهة أخرى)، ولأنني أعتقد أنّ هذا العراك لتحقيق الوفاق بين طرفي المعادلة - التي تبدو للكثير متناقضة، ولا يمكن أن تكون نتيجتها واحداً صحيحاً - جعل الدكتور الرشيد يستشعر دوره نحو شباب المملكة جميعاً الذين هم في سن بعض أولاده، ويدرك بثاقب بصيرته أهمية وضع بصمة معرفية وسلوكية على من هم في السنة التحضيرية في الجامعة، أملاً في أن يكونوا رواداً في تخصصاتهم التي اختاروها، ومهرة في شق سُبل حياتهم التي قد تتشعّب بهم إلى احتمالات لا حصر لها ولا عد ولذا كان كرسي روّاد المستقبل ..
وأخطر ما يفتك بمثل هؤلاء الروّاد ويذهب بعقولهم ويفسد عليهم حياتهم (المخدرات)، ولذا كان الكرسي الرابع متخصصاً (بالوقاية من المخدرات)، علاوة على أن الدكتور الرشيد وهو من شرُف بإعلان المقام السامي عضويته باللجنة الوطنية لمكافحة المخدرات، أدرك أنّ هذا الشرف يوازيه تكليف وطني عظيم يوجب العمل من أجل وقاية أبناء الوطن من هذا السم القاتل، خاصة وأن خادم الحرمين الشريفين أعلن وفي أكثر من مناسبة أن أخطر شيئين على الوطن هما (الإرهاب) و(المخدرات) .. خاصة وأنّ هذه اللجنة الوطنية تشرف برئاسة رجل الأمن الأول صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبد العزيز وزير الداخلية وفّقه الله ورعاه ..
إنّ هذا الطرح لا يعني بحال أنّ هذا الرجل المعطاء لا يبذل في باب إلاّ حينما يكون ثمة سبب خاص، ولكنه يكون أكثر سخاء عندما يكون الأمر كذلك فهو بقلبه الكبير المفتوح أوجعه وخز وألم قلوب الآخرين .. وبعيون أهل حائل نظر لعيون غيرهم .. ونتيجة تجربته الحياتية مع فهد وإخوته ليصنع منهم روّاد المستقبل كان أبناء هذا الوطن جميعاً محل تفكيره ومحط أنظاره ..
ولوطنيّته واستشعاره المسؤولية الحقيقية للعضوية الفعلية في اللجان والجمعيات، كان كرسي الوقاية من المخدرات ... شكراً من القلب المحب، شكراً ألوف لابن حائل البار والوطني المخلص، والأمل يحدونا نحن أُسرة جامعة حائل أن تحتضن جامعتنا القابعة بين الجبلين فيضاً من عطائكم المبارك، وهذا ليس بعزيز على أمثالكم من أبناء وطننا الخيِّرين روّاد الوفاء والبذل والعطاء الذين يتلمّسون في خطواتهم