بعد حرب أمريكا على العراق ومقتل مراسلة عراقية في سياق هذه الحرب، وبعد توسعة الآلة الإعلامية العربية بسبب الاستثمارات الخليجية وتعدد وسائل الإعلام وزيادة الوظائف التي لا يستفيد منها سوى إخواننا اللبنانيين، بدأنا نقرأ عن الأهوال والأخطار التي يواجهها الصحفي العربي. قرأت في السنة الأخيرة عشرات المقالات والتحقيقات التي تتحدث عن المخاطر التي يتعرض لها الصحفي العربي والظروف الصعبة التي يعيشها الصحفي العربي والتحديات التي يواجهها الصحفي العربي. أهوال الموت وغياهب السجون والمطاردات والمضايقات. أهوال داخلية وأهوال خارجية وأهوال طبيعية وأهوال صناعية. ولكي تستقيم هذه الأهوال في رأسي لا بد أن أتخيل فيلماً من أفلام الخيال العلمي حيث يتواطأ المشاهد مع المخرج على تجاهل العالم الحقيقي القائم والبقاء على مقاعد صالة السينما تحت سيطرة الظلمة والمؤثرات. لكي أقبل التحديات المهولة التي تواجه الصحافة العربية علي أولا أن أتجاهل الحقيقة الماثلة في دبي ولندن وباريس وبقية المدن التي تتوفر بها فنادق فاخرة وزوايا معتمة تسهر حتى الصباح، وأن أفكر في موفد البي بي سي وموفد السي إن إن والفوكس وأخلط عباس مع دباس عندئذ يصبح الصحفي العربي مماثلاً لزميله في المؤسسات الإعلامية الغربية.
على هامش إحدى الندوات الإعلامية العربية (في إحدى الدول الخليجية) جلست قبالة صحفي عربي طاعن في السن لا يتوقف عن التدخين لحظة أشار إليه زميلي وهو يقول: هذا فلان (ذكر اسمه) من أكبر الصحفيين العرب يقود واحدة من أفضل الجرائد العربية. ثم سكت دون أن يذكر كم توزع هذه الجريدة لأني أعرف ما يعرفه غيري أنها لا توزع أكثر من ألفي نسخة. لا يسأل أحد كيف يكون هذا الرجل من أعظم الصحفيين العرب في الوقت الذي لا توزع فيه الجريدة التي يقودها أكثر من ألفي نسخة. هذا الصحفي العربي الكبير الذي لا يتوقف عن التدخين صورة نموذجية للصحفي العربي. الأول دائما في إلقاء المحاضرات عن الصحافة والأول دائما في المؤتمرات العربية والأول دائما على الموائد التي تقدمها بعض الحكومات العربية والأول دائما -وهذا هو المهم- في استلام الشيكات والرواتب الخفية التي تصرفها بعض الجهات العربية. هذه الأهوال والمصائب المتخيلة والمؤكد عليها باستمرار صنعت من الأقزام والمرتزقين وتجار الشنطة والأفاقين قوة تؤثر حتى في القرار السياسي العربي الاستراتيجي وتوجهه. بقراءة بسيطة للأموال التي تصرف على الصحف العربية ذات الطابع الدولي ستعرف حجم هؤلاء وقوتهم وتأثيرهم. اقترب عدد القنوات العربية الفضائية من الخمسمائة قناة. تتوزع هذه القنوات على ثلاث أنواع: خزعبلاتية وشوفينية ودق ورقص. غياب القنوات المتصلة بالثقافة أو الوثائقية يكشف ما آل إليه الإعلام بعد سنوات طويلة ومرّة من سيطرة هؤلاء الذين يشتكون من الأهوال المريعة التي يواجهها الصحفي العربي في الفنادق الفاخرة في لندن وباريس ودبي.
فاكس 4702164