إلى ناصر الفراعنة:
* كنت قد تحدثت مسبقاً عن خمسة شعراء شعبيين متفردين كل منهم له ميزته الخاصة ونكهته النادرة ولونه المحدد وقلت إن كل واحد منهم لا يشبه إلا نفسه فقط ولم يقلد أي صوت سابق ولم يتخرج في مدرسة معينة أو يخرج من عباءة أحد ولم يصنع أياً منهم منبر تقليدي أو يلمعه أعلام. وأعني بأولئك الشعراء الخمسة (ناصر الفراعنة وعبدالرحمن الشمري وخلف المشعان ومطلق النومسي وياسر التويجري) إذ إن هؤلاء قد انتزع كل منهم جماهيريته بقوة الشعر بكل مواصفاته (معنى ومبنى ومغنى) وكارزمية طاغية تتحكم بمشاعر الجمهور وتهيمن على رهبة المنبر وهيبة الحضور وتقدم شعرا آسراً يطغى على رهافة الأسماع ويحرك الأطراف ويثير التفاعل والاندماج أثناء التلقي والإصغاء كما أن لكل منهم حضوراً مسرحياً خاصاً يشد إليه الأنظار وينتزع التصفيق.
***
صحيح أن كثرة التصفيق للشاعر لا تعني قياساً دقيقاً (للشاعرية) فيه بقدر ما تتعلق بقوة النظم وشدة الإيقاع وذلك لأن الشعر الحقيقي (عميق، تأملي، استيعابي) يحتاج إلى (ثقافة) شعرية جيدة لاستيعاب النص استيعاباً كاملاً لا سيما حينما يحتوي على دلالات وإشارات وإيماءات ذكية تحيل إلى التاريخ أو الموروث لا يلتقطها إلا من كان لديه الإلمام الكامل بتلك الإحالات وهذه الطريقة الرائعة ينتهجها تحديداً شاعرنا الفذّ ناصر الفراعنة دون غيره من مجايليه - الآن- من شبابنا الشعراء لذلك كان من الخطأ الفادح اشتراكه أصلاً في أي مسابقة تعتمد في أحدى فصولها على (النظم) المجرد.
وذلك لأن شعر الفراعنة هو شعر تأملي عميق يستوجب التحليل ويقترب كثيراً من النص الفصحوي والذي هو ليس بحاجة للاتكاء على الإلقاء و(المسرحية) بقدر ما هو بحاجة إلى قراءة ثانية وثالثة للوصول إلى بعده الحقيقي من خلال ثقافة مدركة لا من خلال جمهور جاء لممارسة مهمة التصفيق.
***
أي أنني أريد القول إن عدم حصوله على المركز الأول في مسابقة شاعر المليون يجب أن لا تعني له شيئاً على الإطلاق لأنه أكبر من كل الشعراء الذين شاركوا في المسابقة في كلا النسختين، بل إن شعره أثمن من أن يقدر بالدراهم والنقود بل يكفيه قناعة تقدير اللجنة له ولشعره وجعله في نظرها الشاعر الأول وهذا هو عين الإنصاف بغض النظر عما حدث خلف الكواليس من تغليب للهوى والأهداف.
***وأنا إذ أقول ذلك فإنني حقيقة لا أعرف الشاعر الفذ والمبدع ناصر الفراعنة معرفة شخصية ولم أره في حياتي على الإطلاق بالرغم من أنني أعرف (جل) شعراء الخليج والجزيرة العربية وتربطني بهم علاقات خاصة. إلا أنني انتبهت له لأول مرة حينما وقع بيدي شريط وصفي دقيق لرحلة سياحية يقوم بها مجموعة من الشباب وقد هالني بالفعل ما يملكه الشاعر من حاسة مدهشة تلتقط أبسط الأشياء ولا تهمل أدق التفاصيل وتحويلها إلى عمل شعري أخاذ. ثم أخذت أبحث عن الفراعنة في المجلات الشعبية والبرامج الإذاعية والتلفزيونية ولم أعثر حتى على من يدلني عليه وقلت في نفسي يالضياع موهبة حقيقية في زمن الإعلام ولكنني فرحت كثيراً حينما صرت أشاهده هنا أو هناك وأخذ يسيطر بشعره حتى على قلوب الأطفال وهذا هو القياس الحقيقي للشعر والشاعر وحسب شاعرنا المبدع ذاك وأرجو أن لا تهز الريح جبلنا الشامخ فوق كل التلال على تراب هذا الوطن الحبيب.