Al Jazirah NewsPaper Friday  11/04/2008 G Issue 12979
الجمعة 05 ربيع الثاني 1429   العدد  12979
فجر قريب
قصة طبيب
د.خالد بن صالح المنيف

كنتُ فتى نجيباً قد أجمع معلموه على أن مستقبلاً مشرقاً ينتظره, أنهيت دراستي الثانوية بتفوق وبعدها التحقت بكلية الطب وتخصصت في الأمراض العصبية والعقلية والنفسية، تعلمت ومارست جملة من الوسائل العلاجية للمتاعب النفسية من استرخاء وتنويم ذاتي وتعرفت على كل أنواع العقاقير المهدئة للأعصاب وكنت أعالج العشرات من المرضى يومياً..

وبعد الأربعين أحسست بأن حياتي بدأت تتأزم حيث إن الضغوطات النفسية قد تكاثرت علي فلم أعد أذق للنوم طعماً ولم أشم للسعادة رائحة، اندفعت نحو وسائل العلاجات النفسية والعقاقير والأساليب المتنوعة كي أخفف من حدة هذه الآلام النفسية وأحجم من الضغط العصبي الذي أعاني منه وللأسف لم أجد إلا تغيراً لحظياً لم يصنع فارقاً في حياتي!

قررتُ أن أغُرق نفسي في العمل والأنشطة الاجتماعية فأصبحت لا أرفض دعوة ولا أعتذر عن مناسبة, حتى أدمنت السهر وبعد فترة من الزمان وجدت نفسي قد تورطت في متاعب جديدة وقد أنشبت الضغوطات والقلق أنيابها في روحي وجسدي.

وكانت لذات آنية يتبعها ألم طويل... بدأت أخاف على مصيري ومستقبلي.. وكانت أكبر عقدي وأعظم ما يسبب لي الألم هو خوفي من الموت فكانت كل محاولاتي السابقة بمثابة أساليب هروب يائسة عمقت من المشكلة وجعلت مني كقارب صغير تتلاعب به الأمواج وتلهو به الحيتان...

وبعد رحلة ضياع طويلة اهتديت إلى أن الإيمان بالله هو المخرج الوحيد من كل تلك المتاعب وتيقنت أنه نبع السعادة الأول والأهم في هذا الحياة وهو الذي يعطي المعنى الحقيقي للاطمئنان وراحة البال وهو الأمل الضاحك المشرق المبشر بحياة أخرى أجمل وأروع من هذه الحياة القصيرة، وقد تأكد لي بما لا يدع للشك أن الإيمان بالله والتزام تعاليم الكتاب والسنة هما المحرران من جميع عقدي النفسية وآلامي الداخلية وسهري الطويل وقلقي الدائم وخوفي الذي لا ينقطع، لقد حررني الإيمان من عقدة الموت وعقد النقص وحب الجاه والمركز، حررني من عقدة هم الرزق ومستقبل أسرتي, حررني من عقدة عبادة المال والركض خلفه.

فصرت أنام قرير العين خالي الفؤاد لا أخاف الموت من سكتة قلبي ولا بنزيف دماغي صاعق ولا جلطة في الدماغ ولا تورم سرطاني ولا برصاصة طائشة ولا بحادثة عابرة ولم أكن أدرك كل هذا إلا بعد أن تشربت معاني الإيمان العميقة ومعها أدركت أن الموت هو مجرد انتقال من حياة زائلة إلى حياة فاضلة خالدة.

كيف لا وأنا أردد دائماً {وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَّكَ مِنَ الْأُولَى} وأقرأ {وَلَلآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً}.

أصبحت لا أخشى أحداً وكنت أجزم أن قوله تعالى: {وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا} ما كانت لتضيعني وكنت أستقوي بقول العزيز {إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا}.

وقد سلمت أمري لقوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ الله كِتَابًا مُّؤَجَّلاً}.

أدركت مع تلك الإيمانيات أن أسراب القلق وجيوش الخوف لن تُقطع من جذورها إلا باللجوء إلى الله فالمسكنات والمنومات حلولاً وقتياً لا تسمن ولا تغني من جوع.

لم تعد أسرتي تشعر بالخوف منذ أن واظبنا جميعاً على الصلاة وأدركنا معنى (الله أكبر) لم تعد أسرتي عرضة للنوم المتقطع ولا للكوابيس المخيفة أو الاندساس في فراش والدتهم ليشعروا بالأمان..

نعم تخلصت من كل تلك الأوجاع والأوصاب بالإيمان، وأنا على أعتاب الخمسين سلمت أمري إلى خالقي ورازقي آمنت به ورضيت بما قضى حتى غدوت سعيداً راضياً قرير العين، وبعد تلك التجربة وبعد سنوات من الصراعات بدأت أرشد مرضاي والمتعبين نفسياً وجسدياً أن سبيلكم الأول للشفاء هو الإيمان ولا غيره.

قصةٌ جميلة مؤثرة للطبيب اللبناني عدنان الشريف رواها بنفسه حاكياً رحلته من الظلام إلى النور نقلتها لكم بتصرف للعبرة والعظة..

خير الكلام

{وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا}.

***

لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب«7515» ثم أرسلها إلى الكود 82244



khaild225@hotmail.com

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد