الرياض - خاص ب(الجزيرة)
ناشد أكاديمي متخصص بإحداث فروع لدور الإفتاء في بلاد المسلمين من شأنه أن يحقق عدداً من المصالح الدينية الاجتماعية، منها: قضاء حوائج المسلمين، وإجابتهم على أسئلتهم الدينية عن طريق توفير مفتين معتبرين علماً وديناً، لضبط الفتوى في جهة محدودة معتبرة ومضبوطة بهدف تضييق دائرة الاضطراب والتفرق في الفتوى، التي بدأت تظهر بصورة ملموسة من خلال القنوات الإعلامية المتنوعة.
كما طالب بإيجاد مرجعية موثوقة للمسلمين في بلدانهم يرجعون إليهم في حوائجهم المختلفة، وتعزيز دور أهل العلم في بلادنا، وربط المسلمين بهم، والاستغناء عن الفتاوى والمناهج الوافدة والغريبة والشاذة على شريعتنا وعقيدتنا.
وشدد أستاذ العقيدة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض الدكتور علي بن عبد العزيز الشبل على أن أمر الفتوى عظيم، وله شأنه وخصوصيته في قواعد الشريعة وأصولها، وهي وظيفة أهل العلم، كما هي فريضة طالب الفتوى ممن لا علم له، قال سبحانه وتعالى: {فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ}.
وأكد فضيلته أن تنظيم أمور الفتوى وضبطها من مهام ولي أمر المسلمين وعلمائهم، كما أن إنشاء فروع لدار الإفتاء في أطراف البلاد لمن الأمور المهمة والجليلة ولا سيما في هذا الزمان، لافتاً إلى أن المسلمين يعتنون بأمر الفتوى، كما أن عمل المسلمين وولاتهم من العهد الأول في تعيين المفتين للناس عند الحاجة، كالمفتين للحجاج في الموسم وفي الآفاق وكان الولاة يتخيرون لهذا المنصب الجليل من به الكفاية في علمه وأمانته وعليه الاطمئنان لدينه وعقله وحكمته، كما أرسل النبي صلى الله عليه وسلم معاذاً - رضي الله عنه- وهو أعلم الأمة بالحلال والحرام إلى اليمن داعياً وقاضياً ومفتياً.
وأكد الدكتور الشبل أن الحاجة للفتوى الصحيحة الموافقة للكتاب والسنة ومقاصد الشريعة ضرورية لأنها حاجة إلى الدين نفسه، وقال: إن الفتوى إعلام بالدين، وتوقيع عن رب العالمين، وقيام بفرض التعبد للعالم بالفتوى ولغير العالم بالسؤال، والاستفتاء على مناط قوله تعالى: {فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ}، والفتوى الباطلة وغير الصحيحة ما كانت بهوى أو جهل تفضي إلى فساد الدين والدنيا، كما صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم- قوله: (قتلوه قتلهم الله، ألا سألوا إذ لم يعلموا، فإنما شفاء العي السؤال).
واستشهد الدكتور علي الشبل ببعض من مواقف العلماء الربانيين في مسألة الفتوى ومن ذلك قول مالك - رحمه الله-: (إني لا أفكر في المسألة منذ بضع عشرة سنة فما اتفق لي فيها رأي إلى الآن)، ومن مواقفه -رحمه الله- أن سأله رجل عن مسألة وذكر أن أرسل بها من مسيرة ستة شهر من المغرب، فقال له: أخبر الذي أرسلك أنه لا علم لي بها، قال: ومن يعلمها؟ قال: من علمه الله.
وعلق فضيلته: إن المتأمل في هذه المواقف العملية الخيرة من كبار علماء الإسلام يعجب عجباً كبيراً من تسارع بعض المتعالمين أو غير المتخصصين في الفتوى والإفتاء، ولو كانوا من الجاهلين بعلوم الشريعة في فروعها ومقاصدها، وقد لمسنا هذا واضحاً في بلاد العالم ولا سيما في بلاد الغربة، حيث يتصدر لهذا الأمر الخطير من ليس أهلاً له، ولا كفؤ به من ذوي التخصصات التجريبية، فيؤدي بهم ذلك إلى تتبع شواذ الأقوال، وغرائب الفتاوى، وتطرح الأقوال الضعيفة وبعثها، ومن المعلوم أن ناقل الفتوى على أحسن أحوالها ليس بمفتٍ.
وتطرق د. علي الشبل إلى ضوابط الفتوى وآدابها، وقال: إن العلماء ذكروا للمستفتي ضوابط وآداباً، منها: أن يكون غير عالم، لأن الله أناط في المسائل في قوله تعالى: {فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} فلا يليق بالعالم أن يسأل عما يعلمه إلا في مسائل ذكرها العلماء: (كتحقيق ما وصل)، أو رفع إشكال، وتذكر ما خشي عليه النسيان، أو تنبيه المسؤول على خطأ يورده مورد الاستفادة أو نيابة منه عن الحاضرين من المتعلمين، أو تحصيل ما عسى أن يكون فإنه من العلم.
وشدد على أهمية أن يكون الاستفتاء لرفع الجهل عن المستفتي أو غيره، إلا امتحاناً أو استشكال، وأن يكون السائل عاقلاً يحتمل إدراكه ما تجاب عنه، وأن يكون السائل غير متكلف أو مشدد ولا صاحب أغاليط، وأن يعلم السائل أن مفتيه غير ملزم بذكر الدليل له لأن فتاوى المجتهدين بالنسبة إلى العوام كالأدلة الشرعية بالنسبة للمجتهدين، وأن لا يضيق السائل على مفتيه لا من جهة علمه، ولا من جهة شخصه، والتأدب اللائق معه.