Al Jazirah NewsPaper Friday  11/04/2008 G Issue 12979
الجمعة 05 ربيع الثاني 1429   العدد  12979
في تناولها لأهمية تنمية الوازع الداخلي في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (2-2)
القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر محافظة على هويَّة الأمَّة وإنقاذ لأفرادها

تحقيق - محمد بن سليم اللحام

شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر شعيرة ربانية لها تأصيلها الشرعي والنظامي في مجتمعنا، والإنسان بفطرته السَّوية مجبول على حبِّ الخير والدِّلالة عليه، ومجافاة الشر والتحذير منه ولهذا فإن القيام الشرعي بحق هذه الشعيرة وفق الأطر الشرعية والنظامية في المجتمع يتوقف على مدى تأصيل هذه الشعيرة في النفوس وتمكنها منها.

ولقد عرضنا في الجزء الأول من التحقيق آراء لبعض أصحاب الفضيلة والمشايخ في هذا الباب ويسرنا أن نستكمل هذه المسيرة لنتبين مدى أهمية تنمية الوازع الداخلي للقيام بهذه الشعيرة.

أعظم القربات:

بداية بين الشيخ نواف بن دخيل الله السلمي رئيس هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بمحافظة المزاحمية في حديثه عن أهمية هذه الشعيرة إن مما لا ريب فيه أن شعيرة الحسبة من أهم الواجبات وأعظم القربات وباب من أبواب الجنات، وقد اعتنى بهذه الشعيرة الشرع المطهر في كثير من المواضع نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر قول المولى عز وجل: (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ)(110) سورة آل عمران.

وقال والعلة في تقديم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على الإيمان بالله؟ هي كما أجاب عن ذلك سماحة الوالد الشيخ عبدالعزيز بن باز - رحمه الله- فقال (لعظم شأن هذا الواجب وما يترتب عليه من المصالح العظيمة ولاسيما في هذا العصر) بل إن الله جعل ذلك من فروض الكفايات حيث قال سبحانه وبحمده: (وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ)(104) سورة آل عمران.

ثم حكى الأثر المترتب (وأولئك هم المفلحون) وعن النبي صلى الله عليه وسلم قال: قال الله عز وجل (مروا بالمعروف وانهوا عن المنكر قبل أن تدعوني فلا أستجيب لكم وقبل أن تسألوني فلا أعطيكم وقبل أن تستنصروني فلا أنصركم).

أصل للإسلام:

أما الشيخ معيض بن عائض القحطاني رئيس هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بمحافظة خميس مشيط فبين أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أصل من أصول الإسلام وركن من أركان الملة وأساس من أسس الشريعة ومظهر من مظاهر حضارة أهل القرآن به قوام الأمر وملاكه لا يرتفع منار الشريعة بدونه ولا اعتصام بحبل الله إلا على هداه فهو الجهاد الدائم والفريضة المحكمة وهو الباب الحافظ للشريعة - بإذن الله- من هجوم البدع وترهات الانحراف ورياح الفسوق وتيارات المعاصي وبه -بإذن الله- حماية العقيدة وصيانة الفضيلة وحراسة الحرمات.

وأضاف القحطاني أن الإنسان لا تستقيم حياته ولا يهنأ عيشة إلا مع بني جنسه وقد جعل الله الناس بعضهم لبعض سخرياً لا يستقل أحد بحاجته دون الآخر ومن مظاهر الإنسانية وخصائص الطبيعة البشرية المناصحة والمشاورة والإرشاد والتوجيه والأمر والنهي، فهذه كلها من لوازم الوجود البشري والحياة، فالبشر لا بد لهم من أمر ونهي ودعوة وإرشاد ومناصحة وتوجيه فمن لم يأمر بالخير والحق أو يؤمر به أمر بالشر والباطل وانجر إليه، ولو أراد الإنسان ألا يأمر ولا ينهى لا بخير ولا بشر ما أمكنه ذلك لأن هذا من مقتضيات الفطرة الإنسانية ومتطلبات الحياة الاجتماعية.

وأردف فضيلته: ونفوس البشر كلها إما لوامة وإما مطمئنة وإما أمارة بالسوء وجميع هذه النفوس إن لم تشغل بالحق والخير شغلت بالسوء والباطل والله جل شأنه يقول: (فَهَزَمُوهُم بِإِذْنِ اللّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاء وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ)(251) سورة البقرة.

وأمة الإسلام هي الأمة الجامعة لأصول الديانات بدينها والوارثة لجميع الكتب بكتابها والمهيمنة على جميع الشرائع بشريعتها والخاتمة للرسالات برسالتها.

وجماع دين الإسلام أمر ونهي؛ فالأمر الذي بعث به نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وجميع الولايات والمسؤوليات في الإسلام إنما مقصودها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

كأنك تراه:

أما الدكتور محمد بن عبدالعزيز الناجم مدير عام التربية والتعليم للبنات بمنطقة نجران ورئيس النادي الأدبي بمنطقة نجران فألقى الضوء على جانب مهم من جوانب تفعيل وازع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لدى الناشئة؛ إذ قال إن الاستعانة بالله قبل كل شيء مع تأصيل القاعدة الشرعية في نفوس أبنائنا وتنشئتهم على القاعدة الشرعية العظيمة (أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك) والتعريف بأسماء الله وصفاته بأنه العليم السميع البصير، مع إشعارنا إياهم بأن الله معهم في كل لحظة بل لا تأخذه سنة ولا نوم يعد من أنفع الوسائل وأنجحها -بإذن الله- لتحصين النشء ضد المتغيرات. وأضاف: وأيضاً أمر مهم وهو ألا نجعل العادات والتقاليد هي التي تحكم التربية بمعنى عيب أن تترك الصلاة، عيب أن تدخن، فصحيح أن العادات إذا وافقت الشرع أخذنا بها، ولكن كم من فتاة لم تتخل عن حجابها إلا لأنها لبسته عادة لا عبادة، فسرعان ما تخلت عنه بمجرد أن هجرت تلك البيئة التي كانت سبباً للبسها له. ومما ينبغي تحصينهم بالعلم الشرعي وإيضاح المخاطر التي تحاك ضدهم، ودائماً الحرص على انتقاء الرفقة والصحبة الصالحة وتذكيرهم بمجد شباب الصحابة وهمتهم العالية.

كما سجل الشيخ معيض القحطاني نقاطا عدة كمرشدات لتنمية الوازع الداخلي في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حث على اتباعها تمثلت فيما يلي:

* التحلي بالصبر وتوطين النفس على تحمل أذى الخلق في جنب الله والاعتماد على الله سبحانه وتعالى وتجنب المداهنات، والتوكل على الله.

* الإخلاص والصدق والبعد عن الهوى أو قصد التشفي أو الانتصار للنفس ونزاهة النفس وتصفية القلب عن الضغائن والأحقاد والأخذ بأسلوب الأدب والمحبة والشفقة ومخاطبة العقل والغيرة الدينية والحمية والشهامة والتسلح بسلاح العلم والحكمة والعدل والإنصاف والرفق والحلم والصبر.

* العلم بأن النفس إقبالاً وإدباراً فيبادر إليها النصح حين إقبالها وانبساطها بالكلمات الطيبات والمهمات حتى تصل إلى القلوب -بإذن الله تعالى- ممتثلين قول رسول الله صلى الله عليه وسلم (فوالله لئن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم).

* أن: يكون الآمر الناهي ممتثلاً لأوامر الله مجتنباً نواهيه فلا يناقض فعله قوله كما قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ).

القيام بالواجب:

أما الشيخ عبدالله بن أحمد السلمان رئيس هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في محافظة الزلفي فاعتبر أن من أولويات تنمية الوازع الداخلي في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر استشعار عظم وأهمية هذا الواجب، وما أعده الله سبحانه وتعالى من الأجر والخير والتمكين للآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر وللأمة جمعاء، وفي المقابل ما أعده من العقوبات والخذلان والعذاب لمن ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكذلك التواصي والتناصح وتأصيل أهميته ومكانته بين أفراد المجتمع والأسرة والمنزل والعمل وجميع نواحي الحياة، حتى يحس كل فرد من أفراد المجتمع صغيراً كان أم كبيراً ذكراً أو أنثى أنه مسؤول عن ذلك مع مراقبته لله جل وعلا، كمن جاهر بمنكر واستمرأ الناس منكره وكثر وعمت به البلوي فلو أن كل شخص قام بواجبه تجاه صاحب المنكر وأمثاله لما تمادى في منكره أو أقل الأحوال استتر عن أعين الناس، لأنه يرى أن جميع المجتمع ضده ولا يقبلون فعله كمتعاطي الدخان ومن يرفع أصوات الغناء ويضايق الناس.

رب عمر يرانا:

أما الشيخ أحمد بن عيسى المهيني من هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بمحافظة قرية العليا فقال: لا يمكن أن ننمي الوازع الداخلي في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلا عن طريق غرس الإيمان في النفوس؛ فالرسول -صلى الله عليه وسلم- كان يغذي أرواح الصحابة برغائب الإيمان ويزكي نفوسهم بتعليم الحكمة والقرآن ويربيهم تربية دقيقة عميقة ويحدو بنفوسهم إلى منازل سمو الروح ونقاء القلب ونظافة الخلق ومحاسبة النفس، وبالتالي خرج جيل مراقب الله عز وجل يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ولو على نفسه.

وأضاف المهيني: وهذا ما وجدناه في قصة المرأة التي طلبت منها أمها أن تمزج الماء باللبن فما كان موقفها إلا أن قالت: إن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب نهى بأن نمزج الماء باللبن فقالت الأم إن عمر لا يرانا فما كان رد الفتاة المؤمنة المتربية على مراقبة الله عز وجل إلا أن قالت: إذا كان عمر لا يرانا فرب عمر يرانا، وهذا الفعل لم يتأت إلا بوجود الوازع الديني الداخلي في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في السعي لإصلاح النفس بالعبادات، لأن الله سبحانه وتعالى شنع بأولئك الذين لا يسعون لإصلاح النفس بالعبادات وتشكيل القدوة التي يحتذى بها في المجتمع.

وقال: من الأمور التي تنمي الوازع الداخلي في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر العلم والورع ولا نقصد بذلك أن يكون محيطاً بجميع أحكام الإسلام وإنما يكون عالماً فيما يأمر به وينهى عنه فلا يأمر إلا بما أمر به الله ورسوله ولا ينهى إلا عما نهى عنه الله ورسوله، ولاشك أن العالم يدفعه علمه لأن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويكون أمره ونهيه على هدى وبصيرة. وبيّن فضيلته أن هناك أموراً كثيرة يتطلب حضورها في تنمية الوازع الداخلي في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ منها: المراقبة الذاتية والمحاسبة المستمرة للنفس وأن الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر أياً كان سوف يُسأل أمام الله عز وجل يوم القيامة عن كل ما يسمعه ويراه ويتكلم به وهو أعظم في نظر الجميع عند رجل الهيئة لأنه لابد أن يكون قدوة للآخرين لما يأمر به وينهى عنه وذلك لكثرة ما يواجهه في المجتمع الخارجي من منكرات يشوبها الفتن ولكونه بشرا متوقع منه الضعف والخور إلى جانب التبلد غير المقصود نتيجة الضغوط الكثيرة والمتنوعة، فإن لم يكن هناك رادع ديني داخلي فسوف يكون الجزاء مضاعفا والخطب جسيما.

إدارة العلاقات العامة والإعلام بالرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر



 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد