يستعر أوار المشكلات والمتاعب بسبب عدم كظم الغيظ فكم من البيوت قد انهارت وهكذا، وذلك كله بسبب أن أحد الطرفين أو كليهما لم يكظم غيظه في لحظة أحرقت جوانحه نيران الغضب فأنفذه فدمر كل شيء وجعله قاعاً صفصفاً لا ترى فيه عوجاً ولا أمتا.
وكظم الغيظ يتمثل بعدم إمضائك للعقوبة مع القدرة عليها، ولا ريب أن يورث ثمار يانعة فهو عماد الحياة الزوجية، وأساس العلاقات الأخوية، وسر استمرار الشراكات التجارية، وهو صفة من صفات المتقين، قال تعالى: (وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)(133-134) سورة آل عمران، كما أنه خير للكاظمين والصابرين قال تعالى: (وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرينَ)(126) سورة النحل، كما أنه ستر للعورة وملءٌ للقلب برجاء الله يوم القيامة. عن ابن عمر أن رجلاً جاء إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله، أي الناس أحب إلى الله تعالى؟ وأي الأعمال أحب إلى الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أحب الناس إلى الله تعالى أنفعهم للناس، وأحب الأعمال إلى الله تعالى سرور يدخله على مسلم، أو يكشف عنه كربةً، أو تقضي عنه ديناً، أو تطرد عنه جوعاً، ولئن أمشي مع أخٍ في حاجةٍ أحبُّ إليَّ من أن أعتكف في هذا المسجد -يعني مسجد المدينة- شهراً، ومن كفَّ غضبه ستر الله عورته، ومن كظم غيظه ولو شاء أن يمضيه أمضاه ملأ الله قلبه رجاء يوم القيامة، ومن مشى مع أخيه في حاجةٍ حتى يتهيأ له أثبت الله قدمه يوم تزول الأقدام)، وكظم الغيظ أجره عظيم، عن ابن عمر -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما من جرعة أعظم أجراً عند الله من جرعة غيظ كظمها عبد ابتغاء وجه الله)، كما أنه تحمل وقوة تفوق قوة الجسد والعضلات المفتولة، عن أنس -رضي الله عنه- أنه قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم مرّ بقوم يصطرعون، فقال: (ما هذا؟) قالوا: فلانٌ، ما يصارع أحداً إلاّ صرعه، قال (أفلا أدلكم على من هو أشد منه؟ رجلٌ كلّمه رجلٌ فكظم غيظه فغلبه وغلب شيطانه وغلب شيطان صاحبه)، كما أن جزاءه أن يختار من الحور العين ما يشاء، عن معاذ بن أنس عن أبيه -رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من كظم غيظاً وهو قادرٌ على أن ينفذه دعاه الله -تعالى- على رؤوس الخلائق حتى يخيّرهُ من الحور العين ما شاء).
وحديثنا هنا عن الجزاء المترتب على كظم الغيظ ما هو إلاّ حديث على سبيل المثال لا الحصر وفي سيرة قدوة الكاظمين لغيظهم محمد صلى الله عليه وسلم صور رائعة أذكر منها موقفه حين أتاه ملك الجبال، فعن عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت: قلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله، هل أتى عليك يوم كان أشدّ من يوم أحد؟ فقال: (لقد لقيت من قومك وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة، إذا عرضت نفسي على ابن عبد ياليل بن عبد كلاب، فلم يجبني إلى ما أردت، فانطلقت وأنا مهموم على وجهي، فلم أستفق إلاّ بقرن الثعالب، فرفعت رأسي فإذا أنا بسحابة قد أظلّتني، فنظرت، فإذا فيها جبريل فناداني، فقال، إن الله تعالى قد سمع قول قومك لك وما ردّوا عليك، وقد بعث إليك ملك الجبال فتأمره بما شئت فيهم) قال: (فناداني ملك الجبال وسلّم عليّ، ثم قال: يا محمد إن الله قد سمع قول قومك لك وأنا ملك الجبال، وقد بعثني ربك إليك لتأمرني بأمرك فما شئت؟ إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين) فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئاً).
كظم الغيظ قد لا يولد معك لكنك لن تعجز -بإذن الله- أن تكتسبه فهو خلق كم نحن بأمسّ الحاجة إليه فتفشيه بيننا لا ريب أنه كفيل بالوقاية من كثير من مشكلاتنا.
ajardan@Makktoob.com