Al Jazirah NewsPaper Friday  11/04/2008 G Issue 12979
الجمعة 05 ربيع الثاني 1429   العدد  12979

بَيْنَ العوَّادِ والقُرَشيِّ
د. محمد بن سعد الشويعر

 

كتابٌ جديدٌ في طَبْعته 1429هـ - 2008م، مُهِمٌّ في موضوعه، قديمٌ نوعاً ما في تأليفه، لأنه رسالة ماجستير في الأدب والنقد من جامعة الأزهر، في الأدب السعودي الحديث، بكلية اللغة العربية، من إعداد ودراسة الأستاذ الدكتور إبراهيم بن فوزان الفوزان، وحدَّد أطروحته الأولى هذه (الماجستير)، في الأدب بالمنطقة الغربية بالمملكة، التي حاز عليها العالمية الأولى عام 1390هـ - 1970م، فأصبح حبيساً عنده، حتى أذن الله بخروجه.. وكانت الشهادتان: الماجستير والدكتوراه من الأزهر بمصر.

بينما كتابه الثاني:الأدب الحجازي الحديث: بين التقليد والتجديد، وهو الذي حاز به العالمية الثانية (الدكتوراه)، قد طُبِعَ عام 1401هـ - 1981م، بتوزيع مكتبة الخانجي بالقاهرة، بأجزائه الثلاثة، ويعتبر هذا هو الأساس في الدراسة الأدبية النقدية في المنطقة الغربية، والكتاب الذي بين أيدينا هو الفرع، وهو الأقدم، فكأنَّ الفرع جاءت دراسته دافعة للأول، ولا ضير في ذلك، لأنَّ تداعي الأفكار والإيحاءات تستدعي ربط شيء بشيء.. كما يأتي في نظم العقود. وقد قال في فاتحة كتابه هذا مبرراً لتأخر طبعه: ما كتبته صورة من مراحل حياتي، ولو سمحت لقلمي الآن تقويمه، لقلت عنه، ما قاله غيري عن آثاره، ولكن الموضوعية أنْ أقول عنه، التوضيح التالي: إن هذا البحث من متطلبات الدراسات العليا عليَّ لمرحلة الماجستير، في قسم الأدب والنقد، في كلية اللغة العربية، جامعة الأزهر عام 1390هـ إلى جانب المواد الأخرى.

وبحكم قدمه في تاريخ بحوثي التي لم تُطبع، رأيت نشره للوقوف على شيء من إسهامي المتواضع، في مرحلة من مراحل حياتي، في تقديم أدب وأدباء هذا البلد إلى الآخر، وقد استمر هذا الاتجاه في كلِّ ما كتبت، وما أشرفت عليه، في الدراسات العليا من الرسائل. وقد تحقّق ما هدف إليه، فمثلاً هذا الدكتور: عايض الردادي، نال الدكتوراه في الشعر الحجازي في القرن الحادي عشر الهجري، وطبعت في مجلدين عام 1404هـ - 1984م، وهذا الدكتور مسعد عيد العطوي، نال الدكتوراه في أحمد الغزاوي وآثاره الأدبية، وطبعت في ثلاثة أجزاء عام 1406هـ - 1986م، ثم انفتح الباب للدراسات الأدبية التي تبرز مكانتنا في هذا الميدان، وينطبق على هذا المنهج قول الجاحظ: الأول له فضل السبق والثاني: له فضل الإجادة. والدكتور إبراهيم، من السبَّاقين في هذا الميدان، وهيأه ذلك لأخذ مناصب قيادية في الجامعة وفي كلية اللغة العربية، بجامعة الإمام محمد بن سعود، والتدريس والإشراف على هذا التخصص، فقد كان جاداً في جهوده العلمية، عرفته في آخر سنواته بالأزهر، وحضرت مناقشته في الدكتوراه عام 1396هـ، وكنت في بداية السلّم للدراسة العليا بنفس الجامعة، وعرفت فيه الأدب الجم، وحسن الخلق مع التواضع، والهمة العالية في بحثه وعلمه، فكان لا يبخل بالنصح والإرشاد، في كيفية إعداد البحوث، ويعيد على مسميات المصادر وكيفية الحصول عليها.. وأهدتني الجامعة فيما بعد نسخة، من رسالة: الأدب الحجازي الحديث، فوجدته: وافياً وجامعاً. ولئن باعدت المشاغل والأعمال، واتساع المدينة وضوضائها، فقد جاءني ما يجدّد العهد، وهو نسخة من بين العواد والقرشي، وهما في مقدمة مشاهير أدباء بلادنا: شعراً ونثراً، فوجدته كتاباً شيقاً في موضوعه، جديداً في معلوماته، فتناولته في ليلة أثيرة على طلاب جامعة الإمام، لأن فيها تكريماً للعلم والعلماء، حيث كرّمت كلية اللغة العربية واحداً من أعمدتها البارزين مدّة عمله فيها، وأول المتخرجين منها، إنه الأستاذ الدكتور: محمد بن عبدالرحمن المفدى، أستاذ النحو والصرف، فكانت تلك الليلة عيداً مزدوجاً.

ولم أحظَ بنسخة هذا الكتاب، إلا بعد انفضاض الحفل، فجهدت في البحث عن مؤلفه الدكتور إبراهيم، لأشكره وأجدِّد الصلة، رغم التباعد الزمني، إلا أن القلوب متصافية، وأُنْحي باللائمة على مظاهر الحياة، ومع تكرار السؤال هنا وهناك، أخبرني شيخٌ كريمٌ، بأنَّ أ.د. إبراهيم كان موجوداً، ولكنه انصرف عاجلاً، لأنه عليل فاقرأ هذا الكتاب الذي بيدك، وخاصة آخره، حيث تعيش معه، معاناته، فدعَوْتُ له، والجمع قد انفضَّ وليس الوصول إليه بالأمر الهين، أمدَّ الله في عمره على خير عمل، حتى يمتدّ عطاؤه تشوّقْت لهذا الكتاب، كما تطلعت لأخبار مؤلفه، لتجديد الصلة، ولمشافاته ومواساته من منطلق نبي الرحمة عليه الصلاة والسلام.

ووجدت الكتاب من ثلاثة أبواب، وكل باب تحته فصول، فالأول عن مكة وجدة، كمدخل للحديث عن هذين الأديبين، من حيث التاريخ والحالة السياسية والحالة الاقتصادية، والثقافية في الحجاز، صاغ هذا في أربعة فصول جيدة النسق، ومفيدة للمسترشد.

والباب الثاني: عن محمد حسن العواد وأدبه جعله في ستة فصول: سيرته وثقافته، وفي مدرسة الفلاح بجدة، ثم العواد موظفاً ومطالعاته ورحلاته، وتوطئة للفنون الأدبية عنده، وألوان النثر عنده، قرن ذلك بالنثر في منطقة الحجاز الذي يمثله العواد، مع بيان ألوان النثر والمقالة عنده، والمقالة الأدبية والنقدية، والقصة والأقصوصة، وموقفه من المرأة. ثم عرّج على شعره، وأغراض الشعر وأسلوبه وملامح التجديد والنقد ومعانيه والتجديد فيها، وتأثره وتأثيره، وموقفه من إمارة الشعر لشوقي، مع صلته بالمذاهب النقدية.

ومثلما أفرد العواد بباب (كامل)، فقد خصص للقرشي باباً من خمسة فصول: عن سيرته ونسبه ومولده، ومؤلفاته ومطالعاته ورحلاته وإسهامه في الإذاعة والتلفزيون، وأنواع النثر عنده، من مقال وبحث وقصة وأقصوصة ودراسات أدبية، ثم عرّج على شعره، وأغراضه وأسلوبه، وتصويره، وخياله والرمزية عنده، ولم ينسَ التجديد ونظراته النقدية، وآراءه في الأدب والمجتمع، وموقفه من إمارة الشعر، وختم ذلك برأيين: أما قبل وأما بعد، وقد جعلهما كفرسي رهان، متوازيين ومؤثرين. وفي الحقيقة فقد سلّط الضوء على هذين الأديبين، ونخل جهدهما الشعري والنثري، وأنصفهما بالشواهد من أعمالهما، ودرس حياتهما وتعمق في جذورهما الأدبية، وهي دراسة تحليلية وافية، في أكثر من (400) صفحة، وهو راضٍ عما قال وبحث، وختم ذلك في ص402 بقوله: إنني رأيت طباعته، لأنه يمثل جُهْدي المتواضِع قبل 38 سنة، وطول الزمن لن يغيّر واقع الماضي من حياتي. وختم هذا الكتاب: بوقفات بين الأمس واليوم، في حياته التعليمية والعملية التي استطرقت (16) صفحة.

فقد تحدث في هذه الصفحات، عن حياته العملية والعلمية التي بدأها بالتدريس في مراحل متعددة، بعيداً عن مغريات العمل التجاري، مثنياً على مَنْ عرفه وعرفوه، بأسماء بعضهم، وإشادة بالكلِّ أساتذةً وطلاباً: من زاملهم أو أشرف عليهم، أو شارك في مناقشتهم فضلاً عمن تتلمذوا عليه, ومدحوه بقصائد أورد بعضاً منها. وقد حمد الله على أن الظرف الصحي، الذي أصابه أثناء عمله في الكلية، وبمن سمع منهم، ونتج عنه، هذا الظرف الذي لازمه، منذ عشر سنوات، ولم يمنعه عن متطلبات القيام بعمله، ودعا له ولهم بالأجر.. وهو يكرر شكره، لمن طوَّقوه بمشاعر الوفاء، وقال لهم في (ص د): إن الإيمان والعلم، والوفاء والحبّ، والتسامح والابتسام، هي مكونات السعادة عند الإنسان في هذه الحياة، ومن لم يدخل هذه المدن المعنوية في حياته، لم يعرف سعادة السعادة، وقد استحضرت في وجداني على الدوام، هذه المكونات المعنوية، وذُقت سعادة تطبيقها، واجتهدت في عملي وتعامُلي في تصديرها للآخرين، ومنهم طلابي.. ثم ذكر منهم بعض قصائد الوفاء وكلمات فيه.

وكان ردُّه على مشاعر الوفاء التي أُحيط بها، من طلابه الذين تأثروا بأحاسيسهم، من تأثره المرهف، فأهداهم نُصْحه عندما قال: إن خبرتي الطويلة في التعليم الجامعي تدفعني لأن أذكركم من باب الحديث بالنعمة، أن الطالب في الجامعات السعودية، وغيرها من المؤسسات التعليمية في المملكة، من المحظوظين في تحصيله العلمي لأن المناهج مزودة بما يُمد الطالب بالثوابت العقدية، والشرعية والوطنية والأدبية والثقافية مهما كان تخصص تأهيله.. وهذا ما حملني إلى التجاوز عن تتبع تنبيهكم إلى أهميتها لتحصنكم فيها (ص ي). وبدأ في توجيه النصائح والإرشاد، إلى طالب اليوم، وأستاذ الغد، في عدّة صفحات، إذْ يرى من مفاتيح العلم التي يتوارثها العلماء في كل العصور، ويطبقها الأستاذ الناجح، عديدة: منها التواضع والبشاشة، والمحبة والتسامح، وما أحوج الأستاذ إلى ذلك، وشواهده في المصادر عديدة، منها هذا الحديث: (إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم، فسعُوهم ببسط الوجه وحسن البشر). فمارِسْ هذا واتركْ للآخرين إنزالك المنزلة التي تستحقها (ص ك).

إنها نصائح ثمينة يهديها أستاذ مجرب، لطلاب هم في مقتبل حياتهم، قلّ أن يجدوها عند غيره، ولكنها الأيام التي عركته، والنماذج من البشر الذين تعامل معهم، أو قرأ عنهم، جعلته يمحض نُصحه، ويجتهد في تحميلهم هذه الهدايا التي تنفعهم في مقبل أيامهم، ليحمدوا له نصحه وحسن توجيهه، فقد كان مخلصاً صادقاً.. رفعه الله بالعافية، وأعظم له الأجر.

تغطية العيب في الكلام:

ذكر المبرّد في كتابه الكامل، في اللغة والأدب، نماذج من الأذكياء الذين يُبْدعِون في كلامهم، بما يغطي عيوباً عندهم، منهم واصل بن عطاء أحد الأعاجيب، وذلك أنه كان ألثغ، قبيح اللثغة في حرف الراء، فكان يخلص كلامه من الراء، ولا يفْطن بذلك، لاقتداره وسهولة ألفاظه، ففي ذلك يقول شاعر من المعتزلة - وواصل معتزلي - يمدحه بإطالته الخطب، واجتنابه الراء على كثرة ترددها في الكلام، حتى كأنها لَيْستْ فيه:

عليمٌ بإبدال الحروف وقامعٌ

لكلِّ خطيبٍ يَغْلِبُ الحقَّ باطِلُهُ

وقال آخر :

ويجعل البرّ قمحاً في تصرّفه

وخالف الرّاء حتى احتال للشّعَرِ

ولم يُطق مَطَراً والقوْلُ يعْجلُهُ

فعاذ بالغيث إشفاقاً من المَطَرِ

ومما يُحْكَى عنه قوله: وذكر بشاراً، أما لهذا الأعمى، المُكتنَى بأبي معاذ، مَنْ يقتله، أما والله لولا أن الغيلة، خُلُقٌ مِنْ أخلاق الغالية، لبعثتُ إليه، من يَبْعج بطنه على مضجعه، ثم لا يكون إلا سدوسياً أو عقيلياً، فقال: هذا الأعمى، ولم يقل بشاراً، ولا ابن بُرْد ولا الضَّرير، وقال من أخلاق الغالية، ولم يقلْ: المغيرية ولا المنصورية. وقال: لبعثت ولم يقل: لأرسلت إليه، وقال: على مضجعه، ولم يقل: على فراشه. وذكر بني عقيل، لأن بشاراً كان يتوالى إليهم، وذكر بني سدوس، لأنّه كان نازلاً فيهم. واجتناب الحروف شديد، قال: ولما سَقَطت ثنايا الخليفة: عبدالملك بن مروان، قال: والله لولا الخطبة والنساء، ما حَفَلْتُ بها، قال: وخطب الجُمحيّ، وكان منزوع إحدى الثَّنِيَّتين، وكان يصفر إذا تكلَّم، فأجاد الخطبة، وكانت، خطبة نكاح، فردّ عليه زيد بن علي بن الحسين، كلاماً جيداً، إلا أنّه فَضَّلهُ بتمكّن الحروف، وحُسْنِ مخارجِ الكلام، فقال عبدالله بن معاوية، بن عبدالله بن جعفر يذكر ذلك:

صحَّتْ مخارجها وتمّ حروفها

فَلَهُ بذلك مَزّية لا تنكر

وقال المازني: قال رجل لبشار:

أَتأكل اللحم، وهو مباين لديانتك، يذهب إلى أنَّه ثنويٌّ. فقال: ليسوا يدرون أنَّ اللحم يدفع عنّي شرَّ هذه الظّلمة.. أيْ أنه يداهن بذلك ليموِّه على مذْهبه. (الكامل للمبرد 2: 144-145).

لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 5068 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد