Al Jazirah NewsPaper Friday  11/04/2008 G Issue 12979
الجمعة 05 ربيع الثاني 1429   العدد  12979

نوازع
أخطاء المسودات
محمد بن عبد الرحمن البشر

 

عندما يكتب أحدنا مسودة لخطاب معين، ويقوم بطباعته وتقديمه إلى رئيسه، يكتشف الرئيس أو يكتشف كاتب المسودة، بعد توقيع الرئيس خطأ أو أخطاء مضحكة يمكنها أن تغير المعنى أو أن تكون الجملة غير ذات معنى، وفي بعض الأحيان يتم إرسال الخطاب، وعند قراءة الصورة بعد الإرسال يتبين الخطأ، وربما يكون مضحكا للمرسل إليه عند اكتشافه، إن كان ذا صدر رحب، بينما يكون محرجاً لكاتبه أو موقّعه. وآخر تلك الأخطاء اللطيفة، مسودة خطاب قدمها أحد الزملاء لي بعد اكتمال مسوغاتها وجاهزيتها للتوقيع، وكانت كتابة النص تقتضي بأن تكون الجملة (وستكون الشركات السعوديات سعيدة بالاشتراك في هذا الحفل) فصحف زميلنا الكريم الشركات فكتب في مسودته (وستكون الشابات السعوديات سعيدة للاشتراك في هذا الحفل). ويبدو أن زميلنا العزيز كان يفكر أثناء إعداد الخطاب في الزواج من شابة سعودية بالإضافة إلى زوجته التي يكن لها كل حب وتقدير.

جعلني هذا الخطاب أستجمع -ما استطعت- بعضاً من نوادر المسودات، بعد تذكّر أخذ مني وقتاً ليس يسيراً، ومن تلك مسودة ما زالت راسخة في ذهني، وأستطرفها كلما ذكرني بها حدث، فقد كانت الجملة تستوجب كتابتها كما يلي: (إن رجال الصين قد ساهموا مساهمة كبيرة في...) فكتب أحد الزملاء: (إن رخال الطين قد ساهموا مساهمة...)، فعجبت لخطأين متجاورين في جملة واحدة لتعطي معنى ظريفاً. وكتب طابع المسودة في إحدى مقالاتي جملة كما يلي (ومن سكر فقد نال أجراً عظيماً) مصحفاً الجملة التي أردت إيرادها وهي (ومن شكر فقد نال أجراً عظيماً).

وأحياناً يكون الخطأ لا يخل بالمعنى غير أنه لا يتفق مع ما عناه أو نقله الكاتب. فأذكر أنني كتبت في مسودة أحد كتبي (بيت ولاّدة بنت المستكفي):

ترقب إذا جنّ الظلام زيارتي

فإني رأيت الليل أكتم للسرّ

فصحفتها فكتبت:

ترقب إذا جنّ الظلام زيارتي

فإني رأيت الليل أكتم للشرّ

وربما يكون الليل أكتم للشر، لكن ما عناه الشاعر غير ما صحفته، فولاّدة بنت المستكفي تطلب من ابن زيدون أن يترقب حتى يحل الليل ويسدل ستره لكي تزوره لأن الليل أكتم للسر وليس للشر، فلقاؤهما ليس شراً كما تدعي، بينما هو في الواقع شر. وكذا في بيت شعر آخر، يقول:

لكل شيء إذا ما تم نقصان

فلا يغر بطيب العيش إنسان

فكان التصحيف:

لكل شيء إذا ما تم نقصان

فلا يغر بطيب العيس إنسان

والعيس هي الإبل، ويمكن قبول البيت بعد التصحيف لكنه غير ما عناه الشاعر.

وهناك قصة ظريفة أنقذ بها ادعاء التصحيف ابن رشد الفيلسوف الأندلسي من الموت، فقد عاش ابن رشد في زمن أمير المؤمنين يعقوب المنصور الموحدي، البربري الأصل، وكان يعقوب المنصور مبغضاً للفلاسفة، وكان أعوانه من الطلبة يبحثون عن سبب للإطاحة به، وكان ابن رشد قد ذكر في أحد كتبه وهو يتحدث عن الزرافة (وقد رأيتها عند ملك البربر) فاستغل حساده كلمة البربر، واتهموه بأنه يسمي الخليفة ملك البربر، أما محبوه فذكروا للخليفة أنها تصحيف لكلمة (برين) وأنه لم يقصد أمير المؤمنين، بل إن أولئك الحاسدين أرادوا النيل منه، فقبل الخليفة العذر، واستدعاه إلى مراكش، وأكرمه، وبادعاء التصحيف تم إنقاذ رأس ابن رشد، غير أن كتبه لم تسلم من الإتلاف والحرق.

والأخطاء غير المقصودة في المراسلات كثيرة، أظن أن أغلب الناس يعذر المخطئ في خطئه حتى وإن خالف المعنى، أما إذا كان الخطأ ديدناً والتصحيف سجية فمن الصعب الاستمرار بقبوله.

أما المصحّف الذي من الأفضل ألا يزيد حرجه، أو يتململ من خطئه فإن الأغلب من المتلقين يرون في ذلك الخطأ طُرفة جميلة، إذا كان الخطأ غير مقصود وغير متكرر.

لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 6227 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد