أضحى الاهتمام بتحسين بيئة العمل في المنظمات العامة والخاصة أحد أهم الاستراتيجيات المهمة ومتطلبات العملية الإدارية الناجحة التي تحرص على تبنيها تلك المؤسسات في ظل احتدام المنافسة وارتفاع مستوى الوعي لدى المستفيد والذي يتوقع دائماً الحصول على أفضل الخدمات، ولعل إحساس الموظف بأنه عنصر أساسي في العملية الإدارية التطويرية وإشراكه في القرارات
ذات الصلة بشؤون العمل من حيث تحسين الأداء والتنظيم والتخطيط والتدريب والتطوير يعدُّ أمراً في غاية الأهمية، كذلك الاهتمام باحتياجات الموظف الوظيفية والتطويرية من تدريب وابتعاث وأثاث مكتبي وحوافز معنوية ومادية وهو ما يغرس في نفسه الانتماء والولاء لمنظمته وحب العمل المنتج وتطوير وتحسين أدائه بصورة مستمرة لإكساب هذه المنظمة المزيد من النجاحات ورضا المستفيدين، ولعل الاهتمام بمستوى العلاقات بين الموظفين وتعزيز ذلك من خلال توفير بعض الأنشطة التي تجمع العاملين خارج أوقات الدوام الرسمي مع الاهتمام بأفراحهم وأتراحهم يساهم كذلك وبصورة كبيرة في تحسين بيئة العمل وتقوية الروابط والعلاقات الإنسانية والاجتماعية بين منسوبي المنظمة، مما سينعكس إيجاباً على زيادة مستوى الرضا الوظيفي وزيادة مستوى الأداء والإنتاجية والتعاون القائم على الشراكة البناءة بين الجميع لتحقيق أهداف ورسالة الجهاز.
ولعل ما يلاحظ من بطء في تطور البيئة الإدارية في بعض أجهزتنا وخصوصاً ذات الطابع الخدمي يعزز القول بالحاجة لكسر الجمود الفكري التطويري وتفجير الطاقات الكامنة والموجودة أصلاً لدى كل موظف بهذه الأجهزة من خلال قدرة ومهارة المديرين والقياديين على إيجاد الدافع والحافز للعمل والمبادرة للتفكير والإبداع والتواصل مع العاملين عبر ما يطرح في الاجتماعات الشهرية أو أثناء العمل وأيضاً معالجة بعض المعوقات من قبل فريق من الموظفين.
مطلوب كذلك من المديرين استخدام الأساليب العلمية في معالجة معوقات العمل وفي جهود إجراءات التحسين والتطوير، ومراجعة احتياجات العمل والموظف وتحديثها، وكذا توفير برامج التدريب والتأهيل ومراجعة الأساليب الإدارية المتبعة ومستوى العلاقات بين العاملين مديرين ومرؤوسين، وكذلك التعرف على العوائق والممارسات غير المرغوبة والتي تمنعهم من القيام بأداء العمل بشكل صحيح، وعلاقة هذه الاتجاهات والمشكلات التي يواجهونها بإنتاجيتهم وتأثيرها عليهم كونهم هم الذين يباشرون العمل ويتأثرون به، وهذا لا يتأتى إلا من خلال القرب من العاملين والتعرف على ظروف العمل والمتابعة والتقييم المستمر والاهتمام بما يتم طرحه في الاجتماعات الدورية أو تصميم استبانة لهذا الغرض أو طلب إبداء الرأي في الموضوعات المراد بحثها أو تطويرها قبل اتخاذ أي قرار إداري.
لا نريد مديرين بعيدين عن موظفيهم مما يجعل هناك مزيداً من الحواجز بين الرئيس والمرؤوس أو أن يصبح اهتمام بعض المديرين بكثرة الإحالات المفتقرة للتوجيه والإجراء المناسب أو التوقيع على المعاملات دون التأكد التام من صحة وسلامة الإجراء، والبعض منهم يركز على الشكليات أو يغرق في التفاصيل الجانبية البعيدة عن جوهر العمل والدور القيادي المطلوب منه، بينما المرؤوسين بحاجة لمن يوجههم ويرشدهم ويشحذ هممهم للعمل المنتج والمبادرات التطويرية وييسر عليهم فهم اللوائح وإجراءات العمل وفي نفس الوقت يقوم بدور المحفز القريب من مرؤوسيه المتصف بالجدية والإخلاص والانضباط ومراقبة الضمير، لا نريد من المديرين أيضاً التركيز فقط على العقوبات وتحميل الموظف مسؤولية التقصير دون الانتباه لما ذكر أعلاه، نريدهم أن يحرصوا على إعطاء الموظف الجيد حقه من التقدم في السلم الوظيفي وتوفير برامج للتدريب والتطوير، والتقدير لما يقوم به من أعمال وأن ندخل باستمرار بعض كلمات الشكر والتقدير في تعاملاتنا مع الموظفين (شكراً، بيض الله وجهك، أحسنت)، مع محاسبة المقصر ومعالجة كل حالة على حده وحسب طبيعة التقصير أو الخطأ ومسبباته وبعد التقييم والتحديد والتعرف على مشكلات بيئة العمل وتصنيفها يتم عمل الآتي:
- معالجة مشكلات العمل أولاً بأول حتى لا تتراكم بعضها فوق بعض.
- العمل على إزالة السلوك والممارسات والمواقف غير المرغوب فيها والتعاون والتكاتف من الجميع لتحقيق ذلك نظراً لأهمية ذلك في نجاح العملية الإدارية.
- العمل على تعزيز وتحسين وتطوير المواقف المرغوب فيها.
- إيجاد بدائل مساعدة لتطوير وتحسين بيئة العمل والعلاقات الإنسانية.
- قيام مديري الإدارات بمساعدة العاملين وجعلهم يشعرون بالرضا عن أنفسهم من خلال تقدير ما يقومون به من أعمال، لأن هذا هو المفتاح الرئيسي لتوفير بيئة عمل نقية وفاعلة.
- لا بد أن يقوم مديرو الإدارات بدور الميسر والمعاون الذي يحرص على تسهيل العمل وتبسيطه على المرؤوسين سعياً للوصول إلى الهدف المنشود ويعمل على التشجيع على العمل التعاوني بروح الفريق الواحد وتبني الأفكار التطويرية وتقدير جهود العاملين معه.
- أخذ مفهوم المتابعة بصورة شاملة وليس في التركيز على متابعة الموظفين في حضورهم وانصرافهم -وإن كان هذا أمر مهم- ولكن بحيث يشمل تتبع سير المعاملات والتعرف على أسباب تأخر الإنجاز والرفع بتوصيات للمعالجة سواء في جانب القوى العاملة أو الأدوات الفنية المساعدة كأجهزة الحاسب الآلي وخلافه أو من اللوازم المكتبية التي يحتاجها الموظف أو قصور في إدارة العمل من قبل مدير الإدارة.
لا شك أن هناك حالات من عدم الاهتمام وعدم المبالاة من بعض الموظفين تجاه مسؤولياتهم وأعمالهم وبمن حولهم وبأنفسهم وبمن لهم معاملات تحتاج إلى إنجاز وبشكل يتفق مع التعليمات والمصلحة العامة، بل إن عدم المبالاة -من وجهة نظري- تشمل كذلك كل من يمتنع عن إبداء رأيه ويمنع عقله من المبادرة والتطوير والبحث عن كل أسباب النجاح وكذلك عدم تقبل النقد البناء والعمل بما تقتضيه التعليمات والحرص على إنجاز المعاملات بشكل يرضي الله سبحانه وتعالى، إضافة إلى عدم استغلال وقت الدوام لإنجاز معاملات المواطنين وإضاعة هذا الحق الوطني المهم في الخروج من المكاتب أو التجمع والتجول بين المكاتب، وكذلك ضعف الاهتمام والإصغاء لهموم المواطن وإبداء النصح والحلول العادلة في المعاملات المنظورة، ومثل هذا الاهتمام عادة ما يتوج بالالتزام بالإنجاز والجودة في الأداء وهذا مطلب وطني واجتماعي ينشده الجميع، ولا شك أن مشكلات العمل بحاجة إلى مراجعة ودراسة ومتابعة دائمة ليتسنى معالجتها والقضاء عليها بواسطة حلول ومقترحات من خلال استطلاع رأي الموظفين ومعايشة ظروف العمل على أرض الواقع للتعرف على طبيعة وحجم معوقات العمل وحسن توزيعه بين العاملين عطفاً على ما يملكونه من قدرات ومهارات أو معارف وخبرات.
ختاماً، فإن من أهداف إدارة الجودة الشاملة قدرة القياديين على التأثير الإيجابي في العاملين وتحفيزهم لبلوغ الأهداف وإحداث تغيير إيجابي في تحسين العمل وجودة الأداء والعمل خارج نطاق الخوف والشد النفسي من حدوث الأخطاء غير المقصودة أو العمل في بيئة عمل غير صحية إدارياً، وهذا يعني تشجيع العمل بروح الفريق والحوار والمناقشة والمكاشفة والتسامح وعدم تصنيف الموظفين على أن منهم أصدقاء وأعداء ولابد من العمل الجاد إزالة الحواجز بين الإدارات ورفع كفاءة الاتصال والحوار وإشراك الجميع في قضايا التطوير والتقييم والتخطيط، والتحفيز والإبداع ورفع درجة الشفافية والمكاشفة وتقبل النقد البناء والمقترحات التي تحقق المصلحة العامة والتشجيع عليها، ولعل من أهم النجاحات التي يمكن لأي إداري أن يحققها قدرته على بناء صف ثاني وثالث من القياديين القادرين على تحمل المسؤولية وإكمال مسيرة التطوير والتحسين وصولاً للمستوى المأمول من الخدمة.