رغم أن المدة الزمنية لكلمة خادم الحرمين الشريفين - خلال افتتاح أعمال السنة الرابعة لمجلس الشورى - لم تتجاوز الدقائق السبع، إلا أنه وبكلماته القليلة استطاع أن يرسم الخطوط العريضة في بحث الأنظمة ومسؤولياتهم على الصعيدين المحلي والإقليمي في وقت يكتنف المنطقة الكثير من التطورات السياسية والاقتصادية. فكانت بحق وثيقة تستلهم منها سياسة الدولة ومواقفها تجاه كثير من القضايا الداخلية والخارجية.
رسائل عدة وجهها الملك عبد الله بن عبد العزيز في كلمات سابقة بشجاعة وصراحة، كالفقر والبطالة والتسلّط والفساد وغياب الحريات والتدخلات الخارجية والثقافة والتعليم والأمية، كل ذلك من أجل الانطلاق نحو طريق برامج الإصلاح الشامل والتطور والتقدّم وتحقيق التنمية وحماية منجزاتها.
فهو كعادته لم يستعرض ما تم إنجازه من سياسات وأنظمة وبرامج ومشاريع في فترات زمنية ماضية، بل كان أبعد ما يكون عن لغة الأرقام والإنجازات ليتحدث من القلب إلى القلب، فتأتي كلمته التاريخية وقد اتسمت بالصراحة والشفافية وهي تركِّز على قيمة أساسية مهمة، هي: (النقد الذاتي والحرية المسؤولة)، حين قال: (الحرية تكون في التفكير والنقد الهادف المتزن، والمسؤولية أمانة لا مزايدة فيها ولا مكابرة عليها، ففيها بعد الله نصون حريتنا ونحدّد معالمها ونقول للعالم: هذه قيمنا وتلك مكارم أخلاقنا التي نستمدها من ديننا).
إذن لا يتردد الملك عبد الله بن عبد العزيز في توجيه النقد لنفسه لأنه دائماً ما يبدأ بنفسه عندما يتحدث، فيمارسه على ذاته إلى درجة القسوة، بل يرحب به ويطلبه، ويعلمنا ألا أحد فوق النقد، وهذه رسالة واضحة بلا شك لكل من حمل الأمانة في هذا البلد من خلال منصب أو مركز أو سلطة لنقد أنفسهم وأدائهم نقداً صادقاً من أجل الرقي والسمو. كما أنها رسالة واضحة لكل مواطن بممارسة حقه المشروع في نقد المسؤولين نقداً هادفاً متزناً متفقاً مع ظروف الزمان والمكان.
إن نقد الذات بموضوعية يأتي من منطلق الشعور بالمسؤولية، وهو مطلب حضاري ووطني تتطلبه مقتضيات المرحلة الجديدة التي نعيش بها. فالإصلاح حتمي والتغيير نحو الأفضل مطلب مهم لمن أراد الحفاظ على مكتسبات هذا الوطن الروحية والمادية.
كم نحن بحاجة إلى النقد البناء المبني على أصول شرعية وعقلية. فكما أن الجوانب السلبية تحتاج إلى كشف وبيان فكذلك الجوانب الإيجابية تحتاج إلى كشف وبيان، وألا نكتفي بإبراز المشاكل، بل نبرز الحلول والتوجيهات من أجل حاضر الوطن ومستقبله وعزه ورفعته.
drsasq@gmail.com