مدينة القاهرة الندية التي اعتادت عرائس النيل أن ترطب هواءها وتطري نسماتها، باغتتها الأسبوع الماضي عاصفة رملية شديدة وماكرة, فرقت جميع المتظاهرين الذين خرجوا في مظاهرة عارمة احتجاجا على غلاء الأسعار، كتائب الرمل من قامت بالمهمة وليس الأمن المركزي المصري.
وعندما وقف نابليون الطموح على مشارف روسيا لم يتصدى له سوى الجنرال ثلج، فكانت الثلوج هي الجيش الذي جابه جيش نابليون الطموح ومنع تغلغله داخل روسيا المثلجة.
عبر التاريخ كان صراع الإنسان الأول ضد مظاهر الطبيعة، وطموحه الذي لا يحد لتجييرها لخدماته وتحقيق أحلامه، منذ تلك اللحظة التي انفصل فيها عن الطبيعة الأم، وذهب إلى مواقع الخصم، يقطع الأشجار, ويخلخل التربة، ويلوث المكان بجشعه الذي لا يندمل.
عندما التقمت العاصفة الرملية الرياض الأيام الماضية كانت تأخذنا معها إلى قلب الصراع الشرس الذي خاضه هذا المكان وسكانه، عندما تحدوا مردة الرمال، ومدنهم الضالة والمضلة، ونهضت المدينة تلوح للعالم بمشروع يحمل خصائصه وندرته.
الرياض تومض وتتجوهر وسط الكثبان التي تسعى بين الفينة والأخرى لتذكيرها بسيرتها القديمة، لكن هدير أبواق الزمن يحيلنا إلى واقع مدينة حديثة تحاول أن تترك قوانين الصحراء خلفها، وتخطو نحو العالم.
الرياض في الربيع ستزدان مسارحها بعدد من المسرحيات تجعل من الدراما جزءاً من النشاط الاجتماعي الراقي لهذا المكان.
سيحظى الأطفال بعدد من العروض السينمائية، يشعرون من خلالها أن السينما فعل إنساني بسيط، على بُعد شارع منهم، ولن يحتاجوا إلى قطع 500 كم للوصول إلى أقرب دار عرض سينما.
أيضاً الرياض ستواجه مردة الرمل بسجادة زاهية من الزهور في ممر الزهور، تعلن فيها أن إرادة الحياة والجمال والانتصار للإنسان هي أقوى من عواصف الرمل التي تحاول أن تمحق هوية المكان وتخلخله، وتجعله بلقعاً يفتقد جميع المقومات الحضارية التي تنمو على هامش التواجد البشري.
الرياض تنهض في وجه الرمل... تخترق العاصفة... وتخطو نحو المستقبل.