لا ينازعني في حبها أمر...
هي الرياض يوم تنسمت أول شهقة فرحة كانت محضنها وفضاءها...
هذا الربيع والناس تحتفي به...
قادم بالزخات من مطر...
آت بالعبق من الأقحوان والشيح والعرار والفنن...
تثير قوادم مراكبه الغبار نثار الإيذان...
ومطارق الإعلان....
الربيع لا يأتي في فجاءة...
ولا يباغت في غفلة...
الموسم الفرد لهيئة الجمال وفتنة الطلعة...
العروس حين تقبل يسبقها البخور والدفوف...
الربيع عروس المواسم...
الرياض تتأهب بمهرجاناته...
تبسط له الأرض مسرحاً وتقيم له الحدائق مضماراً...
وتفتح له الصدور ملاذاً...
وتمد له الأوردة مسرى....
....
الربيع هنا رياضي في بهاء خضرة الصحراء وزهورها البرية الفواحة...
والناس تبسط أذرعها لتنفض عن الرئات منثور الغبار الذي دكها... لتغتسل ببرد شذاه...
لكن...
هذا الربيع ومنذ ما فات... وبعد ما سيأتي...
هل يجيء على الأرض كلها في وقته...؟
هل هو الزمن المناسب لأن تنفرج الصدور... وتنبسط الخواطر... وتحلق الأرواح بأجنحة الألوان البهية... والروائح الشذية... والتكوينات البديعة...؟
هل هو ربيع كوني لإنسان الأرض...؟
هل هو وقت الفرح والانطلاق... والإبداع....؟
والإنسان مسحوق بين مطرقة وسندان...؟
بين غلبة وقهر...؟
بين فقد وشتات...؟
بين حاجة وعوز...؟
بين ضلالة وهدى...؟
بين مرض وفجائع...؟
بين عدو وصديق...؟
بين وجه ضاحك وقلب حاقد...؟
بين ذات فاقدة وذات مفقودة...؟
بين كتاب يُقرأ وكتاب يُحفظ...؟
بين حق مُهدر وحق مسلوب...؟
بين واجب لك وواجب عليك...؟
بين شهقة فرح وزفرة قهر...؟
هل يجيء الربيع في وقته ونكون قادرين على الإحساس به...
والإنسان بين رحى هذه البيّنات ورحاها مسحوق...؟