حين تعبر الفنانة وفاء العقيل عن الخيل تشكيلياً فإنها تقدم بداءة رؤية جمالية تشخيصية عن الخيل من جهة، كما تبرز القيم المتصورة ذهنياً، وثقافياً عن دلالة الخيل، وما خلفته الذاكرة العربية حيال هذا الكائن الذي ارتبط بقيم الفروسية، والجمال، والجموح فيما صوره لنا بشكل دال الشعر العربي، وفيما قدمته الأدبيات العربية المختلفة عنه. نحن هنا حيال رؤيتين: جمالية، ومتصورة، وبالتالي فإن أية تمثلات أو إسقاطات من لدن وفاء العقيل سوف تنحو بنا إلى وصف هذه الإسقاطات بالجدة، أو على الأقل بالتجريب الفني التشكيلي، خاصة أن دالة (الخيل) تمثل كينونة موضوعية عريقة في الأدب والفن بوجه عام، والاشتغال عليها يعد بلا ريب نوعاً من المغامرة. كيف قرأت وفاء العقيل هذه الكينونة؟ كيف اشتغلت عليها فنياً؟ هذا هو السؤال الذي سوف يقودنا إلى تأويل صهوات اللون - بتعبير استعاري - لدى العقيل.
صهوة أولى:
تركز وفاء العقيل على رسم أمامية الحصان، قوادمه، رأسه، والشعر المنسدل على الرقبة، وشكل الفم، وتعبير العينين، وتبرز من خلال هذا التركيز القسمات الجلية والخفية في هذه الأجزاء، وقوادم الحصان هي التي تتجلى فيها حركيته، جموحه ما بين الارتفاع والانخفاض، ما بين الإشارة والتعبير، ما بين الليونة ورد الفعل الأرن الحرون، ولذلك فإن العقيل تبرز هذه الأجزاء بوصفها المشاهد التي تسجل حالات الحصان في مواقف مختلفة، وهي هنا اختارت الأجزاء المهمة في حركة الخيل.
في لوحات العقيل اشتغال كبير على هذه الأجزاء من الحصان، ولا يوجد - على الأغلب - فرس مكتمل في معظم لوحاتها، هي تتقصد رسم وتصوير الحركات الأمامية للخيل، ربما لأن حركة الجموح والتمرد تتبدى أمامها في الخيل، برفع الساقين الأماميتين في الهواء.. وهي تستثمر هذه الحركة في أكثر من لوحة، معبرة عن حالات من الحدة، والتمرد بشكل رمزي .
وفي لوحة دالة للعقيل تقوم بهندسة حركة الفرس في جموحه، فالفرس محاصر بجدران، ببنايات عالية، والساقان الأماميتان مرفوعتان إلى أعلى في شكل متجاور، كأنهما يؤازران بعضهما ضد هذا الحصار.
صهوة لونية:
وتقيم وفاء العقيل في لوحاتها عن الخيل حواراً متماهياً بين الخيل والمرأة، فشعر الخيل على الرقبة دائماً منسدل، طويل، ونظرات الخيل في معظمها نظرات أنثوية تتراوح بين الإغراء والحدة، وبين التحديق والتأمل الجميل، وأحياناً يتحول الحصان إلى حصان أبيض وسط الغيوم، كأنه حصان الحلم، والرغبة لدى الأنثى.
ويتجلى التعدد اللوني في لوحات العقيل في استخدام: الأزرق، البني، الأصفر بدرجاتها المتنوعة، وأحيانا الأخضر والبني، وهي ألوان تستثمر في لوحات الفنانة بشكل هادئ لا بشكل صاخب، على الرغم من نزعة التمرد التي نراها في شكل الخيول في اللوحة، كأنها تريد أن تعطي دلالة أخرى لهذا الجموح، باستكانة مغزاه العميق، من حيث إن الجموح يقود إلى تحقيق أمل ما، أو رؤية ما مستقرة.. ولعل التماهي بين دلالات الخيل ودلالات الأنثى هو ما يقودنا إلى الانحياز إلى هذا التأويل. وهناك - فيما أرى - لوحات خيلية - إذا صح التعبير - تؤدى باللون الأحمر، وربما لا يكون هذا اللون معبراً عن الرؤية العميقة لدالة الخيل، خاصة أن جموح الخيل، وصهيله، وصهواته على الأغلب هي من أجل تحقيق انتصار آخر، يتمثل في الوصول إلى حالة من الهدوء والرقص الخارجي، والإيقاعية والهارمونية التي تتجسد في حركة الخيل، وفي تناسقه الجسماني البديع على اعتبار أنه يوصف بأجمل الحيوانات وأبهاها، وأكثرها بروزاً في المجال الفني.
وفي معظم اللوحات التي تمثلت فيها العقيل حركة الخيل نجد أن الأركان الأربعة للوحة فارغة، ولا يتم استثمارها من قِبل الفنانة بموتيفة معينة، على الرغم من أن دلالات الخيل ودلالات المرأة وفيرة جداً في أدبيات الثقافة العربية الإسلامية. إنّ العقيل لا تستغل هذه المساحات في أغلب اللوحات إلا باندراجها ضمن الخلفية اللونية للوحة.
وعلى الرغم من ذلك، تبقى لوحات وفاء العقيل شاهداً على تمثل الذاكرة المتعلقة بموضوع الخيل، وشاهداً على هذا التماهي بين الخيل والأنوثة في بحثها عن استقرار الوعي بعد الحدة، والجموح، والإغراء اللوني الجمالي الكثيف.