لايمكن أن نختلف أو أن نتجاهل ما للفنون من تأثير على الإنسان منذ نشأته وإلى يومنا هذا كما لا يمكن فصل الفن عن الحياة كونه متعلقاً بكل أشكالها وأنماطها المادية والحسية، هذا الارتباط لم يكن نتاج تطور حضاري بقدر ما هو أمر فطري وُلد مع الإنسان فكان أول ما تعامل به من مجالات الفنون فنون الرسم على جدران الكهوف إلى أن وصل إلى ما وصل إليه من فنون التصميم العصري الذي نراه اليوم في كل ما نتعامل معه في واقعنا ابتداءً من أدق التفاصيل مروراً بتصميم المنزل ومستلزمات المعيشة امتداداً لكل شئون وفنون الهندسة المعمارية، أو ما يتعلق بالتكنولوجيا الصناعية من الإبرة إلى الصاروخ، فالإنسان هو الإنسان في بداية التكوين أو في هذا العصر الذي يضج بالمخترعات وإن كان هناك تبدل أو تغير فهو في ما مُنح من قدرة إلهية على تطوير ذاته والارتقاء بذائقته وقبوله لكل جديد يخدم واقعه وحياته، فالفنون مهما تعددت أو تنوعت أو اختلفت في مسمياتها أو سبل استخدامها وكيفية التعامل معها تصب في نهر الوجدان فكلما كانت هذه الروافد قوية نظيفة سهلة التنفيذ كلما ارتقت بسلوك الإنسان وتعامله مع محيطه بكل أشكاله.
وإذا كنا متفقين على أخذ ما يناسب قيمنا وتقاليدنا الإسلامية من هذه الفنون فعلينا أن نكون بالفعل قادرين على أن نوظفها في سياق منظومتها التي تحقق النتائج التي تعود علينا بالفائدة، منها إمكانية معالجة مظاهر العنف (الإرهاب) من خلال الفن التشكيلي (الرسم) الذي يعشقه الصغار بشكل خاص وهذا هو مربط الفرس، فنحن بحاجة ماسة اليوم إلى أن نهذب عقول هذه الفئة التي ستشكِّل في النهاية مجتمعاً جديداً يتعامل مع الحياة بما اكتسبته من مستوى تربوي إذا افتقد حلقة من حلقاته اختل توازنه، إذ إن بإمكاننا من خلال الاهتمام بهذه الوسيلة الأولى في عالم اكتشافات الطفل أن نزرع قيم التسامح والمحبة التي تنبع من تعاليم الدين من خلال ما وهبوا من رغبات مباحة والتأكيد على جانب ما نشاهده منهم من توجه في مختلف ما يمكن اكتشافه في ملكات عقولهم من المواهب، فالرسم جزء هام من هذه السبل إذا إن هذا المجال أسرع أدوات التعبير التي يتعامل معها هؤلاء الصغار حينما نمنحهم حرية التعبير دون قولبة أو احتكار يجمعون فيها أطياف الجمال.. بفيض من أحاسيس تراودهم نراها متضادة أو متنافرة وهم يرونها منسجمة، إيحاءات حركية وتجليات، تُوجب علينا تلمس مفاتيح ألغازها منذ النبضة الأولى لهذا العشق.. لنحتويها ونبني فيهم من خلالها التشكيل الحقيقي المتواثب الصافي كصفاء زرقة سماء الوطن.
MONIF@HOT MAIL.COM