إذا رأيت إنساناً يصفح ويعرض عن الإساءات إليه من الآخرين، فاعلم أنه كريم بطبعه سخيّ بنفسه، ولو لم يكن عالي الهمة رفيع الشأن في ذاته لانجرف خلف سفاسف الأمور وترهات القول وبادل الإساءة بمثلها أو أكثر، لكن حواجز وموانع الحكمة والعقل وحسن السجية كانت قوية الأداء منيعة الإباء، وهذا الإنسان لا بدّ أن يوصف بالكرم؛ فالكرم ليس وقفاً على بذل المال وتقديم الموائد؛ فرب وجه خصيب ونفس زكية متواضعة تأنف الدون من القول والعمل لأكرم وأسخى من ذاك، فمن طهر نفسه من الشوائب والأدران الدنيوية فقد أفلح وتزكى، وبالضرورة، والحال كذلك، أن يكون حليماً، ومن حلم ساد واستفاد، وعلى الأقل فإنه قد غلب نفسه ومنعها عن هواها،والشديد من غلب نفسه، لا مَن تغلبه أهواؤه وعواطفه ونزواته، وهذه الخصال تقود لخصال حميدة وتجارب أخرى وتراكم معرفي يصب لصالح الإنسان المستقيم أمام نفسه وأمام غيره بقدر المستطاع، وإن لم يبلغ الكمال أو حدوده؛ فقد يكون هذا محالاً؛ فمن أبلغ التجارب المستفادة أن يتعظ الإنسان بغيره؛ فليس من الحكمة أن ترى من يسيء ثم تصنع مثله، فالأولى أن تصنع العكس وهو الصفح والتيقن أن ذاك موقف لا يليق بالكرام المتطهرين، وأن الواجب فعل ما يناسب المقام والنصح لمن تجاوز حدود اللباقة إن أمكن ذلك، وإن خشيت أن يجهلن عليك فالغنيمة بالسلامة, والأيام كفيلة بتأديبه.