الساحة التعليمية تشهد تغييراً جذرياً، تفاعلت معه جهات وأفراد، وجهله آخرون، أو تجاهلوه، وهو التحول نحو (التعليم الإلزامي المستمر حتى التقاعد)، متجلياً في تطبيقات متنوعة، حكومية وأهلية، كالاهتمام بالدورات التطويرية والابتعاث والتدريب على رأس العمل، والتعليم الإلكتروني، والتعليم عن بُعد، والتقييم المستمر في المرحلة الابتدائية، واختبارات القياس والتحصيل في المرحلة الثانوية، والسنة التحضيرية، أو الدورات المكثفة التي تشترطها الجامعات للالتحاق بها، والاختبارات الشاملة في الدراسات العليا.
وقد رافق هذه التطبيقات دعم حكومي سخي، تمثل في إنشاء إدارات التطوير ومراكزه، ومراكز التفوق والموهبة، بكوادرها، ومبانيها المجهزة، ودعم برامج الحاسب، وأجهزته، وسن النظم والقوانين المشجعة أو الملزمة للموظف والمعلم والإداري، لتطوير أنفسهم.
***
هذا التوجه - الفلسفة - النظرية تأخذ أشكالاً رائعة من البناء المستمر للذات وتطويرها، وتتلاءم بجلاء ووضوح مع الحكمة الداعية إلى (طلب العلم من المهد إلى اللحد)، وهو توجه الدول المتقدمة، قديماً وحديثاً.
***
إلا أن تلك الأشكال من التطبيق والدعم المتناميين في هذا الاتجاه الجديد لم يصاحبها وعي متكامل بالقدر الذي يكفي لتهيئة الأرضية القابلة لنجاح التوجه وجني ثمار التغيير.. بل ولا القدر الذي يحمي من الآثار السلبية الناتجة عن تطبيقه على مرحلة تعليمية أو قطاع أو فئة، دون غيرها.
وتحقيق الوعي يتم بتكامل دوائره كما يلي:
أولاً: وزارة التربية والتعليم - وهي التي بدأت قبل غيرها في تطبيق هذا التوجه فيما يخص مراحل التعليم - يجب أن تكون واضحة في تنويره وتطويره ومتابعته إلى أن يتحول إلى فلسفة وطنية مبسطة ومُسلَّم بها، تتمثل في (تسهيل التعليم ودعمه ليسعى الجميع في طلبه مدى الحياة)، مستفيدة فيه من خبرة الدول المتقدمة وثقافتها.
ثانياً: الجامعات بحاجة إلى الكثير من الجهد في هذا السياق (على أن تتبنى وزارة التعليم العالي هذا التوجه، وتواكب فيه وزارة التربية والتعليم).
وإلا فالواقع يشهد بأن الجامعات تتلقى - كما أشاهد وأعايش يومياً - من التعليم العام طلاباً صاروا أقل بكثير في مستواهم العلمي من مستوى الجيل السابق، فإذا لم (تكتمل الدائرة) بالتطوير المستمرة فلن تتفهم الجامعات أوضاعهم الناتجة عن السياسة التعليمية الجديدة في وزارة التربية والتعليم، وستتحول تلك الجامعات إلى مقابر لمواهب (موءودة)؛ لأنها لم تُكتشف بعد.
ثالثاً: ثم يأتي دور سوق العمل ليستلم قيادة (التطوير الإلزامي الدائم) للموظف أو المعلم ما دام تحت إدارته، مخففاً بذلك من حدة الاتكالية المطلقة على الجامعات أو المعاهد التي دفعت له بالموظف أو المعلم الجديد.
رابعاً: إعادة توزيع ميزانيات الدولة، وما يخص التعليم والتوظيف بالذات؛ لتتناسب بدقة واتزان مع الزمن الذي يقضيه المواطن بين التعليم والعمل، فالمواطن يقضي في التعليم (16) سنة، تقريباً، وفي العمل أكثر من (30) سنة.. يجب أن يظل فيها متعلماً باستمرار.. وأن يصرف على تعليمه بسخاء، حتى تقاعده، بل بعده.
التطوير المستمر والملزم يجب أن يتحول إلى ثقافة وهاجس ملح ومحبب للنفوس.وإلى أن يتم ذلك ستظل نسبة فشل التعليم تتذبذب بين أعلى النسب المئوية وأقلها، بمقدار تذبذب الدعم والتفهم والاستفادة من (فلسفة التعليم الإلزامي المستمر من المهد حتى اللحد).
القصيم