تتجاذب الأمريكيين الاهتمامات بالأزمة الاقتصادية بما في ذلك أزمة الرهن العقاري وهبوط الدولار من جانب، والحرب المستعرة في العراق من جانب آخر، وقد نجحت هذه الأخيرة في إعادة اهتمام الأمريكيين بها على ضوء السباق الحامي الوطيس بين الديموقراطيين والجمهوريين، وعلى ضوء التطورات في العراق وضبابية ما ينتظر عشرات الآلاف من الجنود الامريكيين هناك، والنتائج على المدى القصير التي يمكن ان تدعم دفوعات هذا المرشح أو ذاك.
ففي الوقت الذي كان فيه مرشح الجمهوريين جون ماكين ينتقد خصومه واصفاً مواقفهم تجاه العراق بأنها مجرد (وعود طائشة)، حملت الأنباء مصرع عشرة جنود أمريكيين في يوم واحد، ليرتفع عدد قتلاهم إلى أكثر من أربعة آلاف في غضون خمس سنوات، وتعتبر لعبة الأرقام أساسية في حملتي الديموقراطيين هيلاري كلينتون وأوباما اللذين يطالبان بخروج سريع من المستنقع العراقي ضاربين على وتر الخسائر المتلاحقة والمتنامية في أرواح الأمريكيين.
بالطبع فإن واشنطن تسعى إلى صيغة سياسية في العراق تبعد عنه وعنها هواجس المزيد من القتال، على أن تأتي هذه الصيغة بما يتوافق مع المصالح الامريكية، ولا بأس بقدر من المصالح العراقية، فالتوليفة التي يمكن ان تتشكل من هذا الهدف تمثل أسمى ما تطمح إليه الولايات المتحدة الأمريكية، وليس بالضرورة أن تكون هذه الصيغة ملبية للتطلعات العراقية.
وأكثر ما يحتاجه العراق في المقام الأول صيغة تعيد اللحمة بين قواه المختلفة والتوافق على ثوابت وطنية يمكن تغليبها على ما عداها بما في ذلك التصورات الأمريكية والخارجية الأخرى غير الامريكية، فنظرة واشنطن إلى العراق ترتبط باعتبارات استراتيجية تنظر إلى المنطقة ككل وتسعى إلى تأمين الوجود الأمريكي في المنطقة مع الوضع في الاعتبار الاهتمامات الإسرائيلية النشطة في مجمل التحرك الأمريكي والتي تحاول الاستفادة من وجود أمريكي هائل في الجوار.
إن ترك العراق هكذا رهناً للخطط الأجنبية سيعمق فقط من الأزمة الدائرة فيه، ويجعل مختلف أطرافه تنظر إلى الخارج أكثر مما تنظر إلى الداخل، ويشمل ذلك ضمناً محاولات الاستقواء بهذا الطرف الخارجي أو ذاك، ومع استمراء القوى العراقية للعبة الاستقواء بالخارج هذه فسيكون من الصعب تبين الخيط الوطني الذي يمكن أن يستقطب حوله مختلف القوى الوطنية.
