الكل يُطالب بعدم السير مع القطيع.. لكن مَنْ يستطيع أن يقف في وجه القطيع؟.. أو مَنْ يملك الرؤية والقدرة والإرادة بالسير بعيداً عن القطيع؟
2 - شاعرنا القديم أعلنها صريحة أنه مع القطيع فقال:
وهل أنا إلا من غزية إن غوت
غويت وإن ترشد غزية أرشد
ربما يشعر التابع في داخله برفض أو ممانعة.. لكنه لا يجرؤ ولا يقدر.. أو ربما لا يعرف كما هو حال معظمنا أنه يسير مع القطيع.
3 - يتفق علماء النفس على أن الفرد يتمتع بالعقلانية والاستقلال والقدرة على النقد والتحليل.. لكن هذا الفرد حينما يكون بين القطيع يتحوَّل إلى كائن بدائي مسلوب الإرادة يسير حيثما تسير الجموع ولا يمكنه أن ينفك من إسارها.. يقودها قائد تلك الجموع للسير حيثما يريد.
4 - قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يكن أحدكم إمعة يقول: إن أحسن الناس أحسنت.. وإن أساؤوا أسأت.. ولكن وطِّنوا أنفسكم.. إن أحسن الناس أن تحسنوا.. وإن أساؤوا ألا تظلموا).
5 - جوبلز في إحدى خطبه للأمة الألمانية توجه في حديثه إلى شباب هتلر بقوله: (لا يهم كم يموت في سبيل الرايخ الثالث.. المهم أن ينتصر الرايخ).. فهبت الجموع بصيحة وانفعال واحد أن ذلك صحيح وسليم وعاقل.. وأنه هو المطلوب من كل فرد ألماني!.. ما الذي دفع الشعب الألماني لهذا الاستلاب الكامل للحزب النازي وقائده هتلر؟.. إنه السير مع القطيع.
6 - يدعو فلاسفة التنوير المجتمعات إلى النظر لأنفسهم والسؤال: هل نحن مجتمع مختطف.. ومن هو الخاطف؟.. هل هو شخص؟.. أم حزب سياسي؟.. أم تيار فكري؟.. أم أقلية عسكرية؟.. وأن نسأل أنفسنا.. ما هي درجة شدة ذلك الاختطاف.. هل هو قهري يجبرنا على التخلف؟.. أم ثقيل يجبرنا على التأخر؟.. أم مغامر يدفعنا للتهور؟.
7 - كما يدعوننا للتفكير بكيفية الفكاك من ذلك الاختطاف ونتيجته المتوقعة.. وما سوف تواجهه المجتمعات خلال مرحلة البحث عن الفكاك.. فهل ستكون ردة الفعل صِدامية دموية.. أم باردة بطيئة يغلب عليها التسويف والإرجاء والتأجيل.. أم سريعة مربكة.. أم متحركة منظمة.. وهل ستواجه معارضة أم قبولاً أم رفضاً داخلياً؟.