في بعض الدول الأوروبية يفرضون على وزارات التعليم فيها على وضع (علم الذكاء) ضمن مناهج التدريس في المراحل الثانوية ولربما المتوسطة، بل إنهم يعلمونهم هناك (الذكاء الاصطناعي) وتعليم التفكير وذلك لإعداد جيل مبدع يخدم بلاده. وعلم الذكاء الاصطناعي هو علم حديث اكتسب أهمية بالغة في السنوات الأخيرة لتطبيقاته العديدة في مجالات حيوية كالدفاع والاستخبارات والحاسوب والترجمة الآلية وغيرها. ويتميز هذا العلم بأنه علم تعددي يشارك فيه علماء الحاسب والرياضيات وعلم النفس واللغة والفلسفة.
وقد صدر في هذا الصدد عن سلسلة عالم المعرفة التي يصدرها المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب في الكويت، كتاب بعنوان (الذكاء الاصطناعي واقعه ومستقبله)، من تأليف (الآن بونيه) وترجمة الدكتور علي فرغلي، وكان ذلك في مطلع التسعينيات الميلادية. ويعد هذا الكتاب هو أول كتاب يتطرق لهذا العلم بالذات في المكتبة العربية، وهو ينهج نهجاً علمياً موضوعياً بعيداً عن المبالغات والإبهار. ويركز على عدة محاور رئيسة من محاور الذكاء الاصطناعي، وهي معالجة اللغات الطبيعية والنظم الخبيرة وتمثيل المعرفة، كما يفرد فصلاً خاصاً عن استخدام (تقنية الذكاء) في البرامج التعليمية التي يستخدمها الحاسب الآلي. ويتميز هذا المؤلف الرائع بالعرض العلمي السليم من خلال توجهه للقارئ العادي دون أن يلجأ إلى التبسيط المخل في مادته الأساسية. كذلك في هذا الصدد أيضاً أتذكر كتاباً للدكتور إبراهيم مسلم الحارثي بعنوان (تعليم التفكير)، يتميز بسهولة الطرح ليكون في متناول الجميع، وقد صدر عن مدارس الرواد في المملكة. وللدكتور (رشيد البكر) بحوث ودراسات حول تنمية الفكر والإبداع، ويعد متخصصاً في هذا المجال النادر والمفيد الذي يرقى بمستوى المواطن والوطن ويحثه على تعلم الإبداع والتفكير. وحينما نقول ذلك فلأننا حقيقة نؤمن بمستوى الذكاء العالي لدى المواطن السعودي بشكل خاص، فقد ثبت من خلال مقياس (تورنس) للإبداع أن هنالك ما لا يقل عن 45 ألف موهوب سعودي في مدينة الرياض فقط!! بالرغم من أن المتخصصين قد ركزوا على (15) ألف مبدع بحاجة إلى الرعاية والاحتضان.
***
وصحيح أن مدينة الملك عبدالعزيز هي المسؤولة عن احتضان هذا الكم المبدع من خلال مؤسسة الملك عبدالعزيز ورجاله لرعاية الموهوبين، ولكننا نود أن تهتم هذه المدينة العلمية بهذه الثروة التي لا تقدر بثمن، وأن تهيئ لها (الحاضن) المناسب للابتكار والإبداع ولاحتواء هذه العقول، وأن تدعو كل المؤسسات الوطنية لدعم هذا المشروع النهضوي الكبير الذي بمقدوره أن ينهض بوطننا العزيز، وليكن لنا باليابان قدوة بهذا الشأن العلمي، إذ إن لديها العديد من (جمعيات الذكاء) التي أخذت تُصدِّر الذكاء للعالم. وبهذا الخصوص أتذكر مقولة مؤلمة لعالم فرنسي شهير اسمه هنري اواليه يقول فيها: (أما أن نتجه نحو الإبداع أو نتجه نحو الغناء). ونحن هنا في المملكة وما دام مواطننا يتميز بالفطنة والذاكرة والذكاء فدعونا نستغل هذا الذكاء وتفعيله، لأنه هو الثروة التي لا تنضب ولا يوجد لها أي بديل مهما امتد الزمان.