لم أرَ إصراراً على وضع الإبداع في قالب واحد إلا في ما يتلقاه أبناؤنا الطلبة في مادة التربية الفنية التي نعتبرها كتشكيليين وسيلة للارتقاء بقدرات الموهوبين في مجال هذا الفن وقاعدة انطلاق لهم تجاه المساحة الأكبر التي تمثلها الساحة باعتبارهم أجيالاً قادمة ستأخذ دورها في دعم هذا الإبداع المحسوب على ثقافة الوطن، إذ إن الأعمال التي تُعرض في معارض النشاط الفني في مختلف مناطق المملكة التي ينتجها الطلبة في مدارسهم ويقوم عليها معلمون متخصصون في مادتهم لا تتعدى حدود مظاهر الأبنية والمصانع والشوارع تحت عنوان: الانتماء الوطني.. وكان الانتماء هو ما يبرز من الأبنية الأسمنتية فأصبحت نسخاً مكررة تبعث الاشمئزاز أكثر من الإعجاب، وإذا كنا لا نختلف على أن هذه المظاهر جزء من واقع النمو الحضاري الذي تتضمنه فكرة غرس الانتماء الوطني فإن هناك أيضاً من مصادر الإلهام ما يوازي تلك المشاهد ومنها واقع البيئة العام الذي عشقه المستشرقون واستلهمه الفنانون العالميون.
لقد أُقرت مادة التربية الفنية للارتقاء بذائقة الطفل وغرس القيم الجمالية في وجدانه ليرى الحياة بمنظور صحيح ويتعامل مع واقعه من خلال زوايا مشرقة تحمل التفاؤل مع ما يتبع ذلك من تبنٍ للموهوبين فيها.. وهذا يحتاج إلى منظومة متكاملة التلاحم ابتداءً من مشرفي التربية الفنية.. مروراً بإدارة المدرسة.. وصولاً إلى المعلم عبر خطة مدروسة تركز على اختيار الموضوع وتؤكد على أهمية تنفيذه من خلال وعي المعلم بما يقوم به عوداً إلى إلمامه بالهدف من المادة التي تخصص فيها ويقوم على تدريسها مع ثقتنا بالأحبة المعلمين، إلا أننا نطمح بالكثير منهم خصوصاً أن سبل الإبداع مفتوحة ومصادر الجمال في بيئتنا لا حصر لها.. كما أن حصر المسابقات في هذا النمط من المواضيع لا يأتي بجديد كون الغالبية من المعلمين جُبلوا على التقليد والاعتماد على ما سبق طرحه في المعارض السابقة مما قد يوحي بخلو وفاض المعلم من ابتكار مواضيع جديدة تتناسب مع مدركات الطفل في هذا الزمن الذي تعددت فيه الوسائط التي تقرِّب أطراف العالم تصديقاً لمقولة إن العالم قرية صغيرة، كما أن في مثل هذه المواضيع المكررة ما يوقف خيال الطفل ويبعده عن حرية التعبير مع ما يراه الجميع من إصرار بعض المعلمين على مثل تلك المظاهر المعمارية وتدخله أحياناً كثيرة في توظيفها، مع أنها لا تمثل كامل حقيقة جمال حضارة الوطن.
إن في جهلنا بعالم الطفل وصفاء سريرته ما يجعلنا نقتل فيه إبداعه من خلال ما نفرضه من توجيهات قُصد منها النتيجة على حساب الهدف من الفكرة الأصل أو الأهداف الكبرى للمادة (وفي مقدمتها ملكات الابتكار).
MONIF@HOT MAIL.COM