(الجزيرة) - سعيد الزهراني - علي مجرشي
توالت جلسات ملتقى أدبي الرياض في ثاني أيامه حول النقد السعودي المعاصر متناولة عدداً من المحاور المهمة أبرزها الرواية والشعر والأعمال السيرية. واستهلت الجلسات في تمام العاشرة من صباح أمس الأربعاء بقاعة المحاضرات في فندق قصر الرياض، بندوة أدارها الأستاذ سحمي ماجد الهاجري، وتحدث فيها كل من الدكتور محمد عبدالعظيم بنعزوز والدكتورة أميرة بنت علي الزهراني الدكتور حسين المناصرة والدكتورة ميساء الخواجا. وقدم الدكتور بنعزوز ورقة جاءت بعنوان (المقولات النقدية في كتاب) القيم الخلقية في الرواية السعودية لعبدالملك آل الشيخ وركزت على نقد هذه المقولات من خلال أبرز العناصر التي تناولتها الدراسة، وهي الشخصية الروائية في بعديها: المضموني والفني، ومن جانبين مهمين هما: الجانب الذاتي والجانب العلائقي (أي علاقتهما بغيرهما من الشخصيات وبالمكونات الحكائية الأخرى، وأهمها الزمان والمكان)، ومن ثم سينصب الاهتمام على العلاقة الجوهرية التي تجمع بين القيم الخلقية والشخصية في الرواية السعودية وموقف الكاتب النقدي منها. وحاولت الورقة نقد طريقة عرض هذه العلاقة ونقد المقولات النقدية التي تناولتها.
ثم جاءت ورقة الدكتورة أميرة الزهراني بعنوان (النقد المحلي المعاصر مداناً من الروائيين) وناقشت قضية إدانة الروائيين (الجدد منهم على وجه الخصوص) للنقد المحلي المعاصر حيث الإهمال المؤسف الذي تلقاه أعمالهم الروائية. كما يحمّل الروائيون النقد المحلي مسؤولية تنامي الرديء من الأعمال الروائية السعودية للشباب خاصة؛ لأنهم يفتقدون - على حد زعمهم - لمن ينتقدهم على النحو السليم، ويلمحون إلى انغماس النقاد المحليين في النظريات الفنية الأجنبية المستوردة والاستشهاد خلال تطبيق النظرية بأعمال كتاب عالميين، وإذا ما التفتوا إلى أعمال الكتاب السعوديين لم يتجاوزوا طريقة التحليل البسيط للخطاب الاجتماعي الذي تقدمه الرواية ولا يرهق بالكشف عن الجماليات الفنية. بهذه الورقة حاولت أن تضبط أبرز المقولات المتضمنة كثيراً من نقاط الإدانة السابقة وتتبع دفاعات النقاد المحليين. وعن جدوى نقد الأعمال الرديئة وتأثير مسؤولي الصفحات الثقافية في التحريض على عدم خلق خصومات وعداوات مع الكتاب والتركيز على المجاملة والمدائح. كما تناقش الورقة فعالية وباء (التشجيع) للأعمال الروائية الشابة ومدى ما خلفته من تشوهات، وتكشف مغزى لجوء المبدعين إلى حمل المهنة وممارسة النقد على أعمال زملائهم، واضطروا إلى نقد أعمالهم بأسماء مستعارة. كما ترصد أبرز المعايير الحكمية (العالمية) التي ألصقها بعض النقاد بأعمال روائية غاية في التواضع!!
ثم جاءت بعد ذلك ورقة الدكتور المناصرة بعنوان نِسْوِيَّة تلقي رواية (بنات الرياض) تحدث فيها عما أثارته رواية (بنات الرياض) من إشكاليات نقدية على مستوى المشهد السردي المحلي، تنوعت فيها رؤى التلقي إلى حد أن غدت ظاهرة أو شبه ظاهرة سردية نسوية (عجائبية)، قد تفضي إلى استدعاء (نظرية النقد النسوي) بصفتها وعياً أو مصادفة؛ مما يتطلب طرح أسئلة عديدة في سياق مقاربة القراءات (أو بعضها) التي احتفت بهذه الرواية أو همشتها أو رقصت على نعش جنازتها. ثم ورقة د. ميساء الخواجا التي جاءت بعنوان (آليات القراءة وإشكاليات التأويل.. قراءة في تلقي بنات الرياض لرجاء الصانع) أشارت فيها إلى تحول رواية (بنات الرياض) للكاتبة رجاء الصانع إلى مادة جدلية مثيرة عند صدورها، وقد حظيت بردود فعل واسعة غطتها الصحف السعودية، وتفاوتت الآراء بين القبول الشديد والدفاع القوي من جهة، والرفض الحاد من جهة أخرى. وفي إطار هذا الجدل كتب عدد من النقاد والدارسين السعوديين عن تلك الرواية، أن قراءة النص الأدبي تنطلق من أفق توقع معين لدى القارئ يشكل رؤيته وآليات تعامله مع النص.
ثم جاءت الندوة الثانية التي أدارها الدكتور إبراهيم بن عبدالرحمن المطوع، وتحدث فيها كل من الدكتور صالح بن الهادي رمضان والدكتور محمد بن سالم الصفراني والدكتور أحمد صبرة. وجاءت ورقة الدكتور صالح بن رمضان بعنوان (تحليل النص الشعري في الخطاب النقدي السعودي: إشكاليات نظرية)، والتي سعى الباحث إلى إثارة القضايا النظرية المتصلة بنقل مناهج تحليل النص الشعري وإلى مساءلة الخطاب النقدي من جهة استعمال المفاهيم والمصطلحات، ومن جهة الانسجام الفكري بين مختلف الدراسات باعتماد نماذج من الدراسات الصادرة في العقد الأخير. بعد ذلك جاءت ورقة الدكتور الصفراني بعنوان (اتجاهات النقد الأدبي في ملتقى قراءة النص) حلل فيها الباحث اتجاهات النقد الأدبي في المملكة العربية السعودية من خلال البحوث المقدمة إلى ملتقى قراءة النص الذي يعقد سنوياًَ في نادي جدة الأدبي الثقافي والدعوي التي ينطلق منها البحث هي أن ملتقى قراءة النص الذي استمر انعقاده ثماني دورات وصدرت بحوثه في سبعة مجلدات يمثل تجربة نقدية غنية تعكس بصدق اتجاهات النقد الأدبي في المملكة، ثم جاءت ورقة الدكتور صبرة بعنوان (وجهة نظر مصرية في الشعر السعودي) وبدا فيها بعدٌ حاضر في المشهد النقدي السعودي، هو بعد النقاد غير السعوديين الذين أسهموا بطريقة أو بأخرى في صياغة هذا المشهد، سواء ما كتبوه عن الأدب السعودي وهم في بلادهم، أو ما كتبوه عن هذا الأدب في أثناء وجودهم للعمل بالمملكة. والمثال الذي نبحثه هنا هو الشعر السعودي والنقاد المصريون، ولا شك أن ما يجمع المبدع السعودي والناقد المصري أكثر بكثير مما يفرقهما، لكنَّ هناك جانباً آخر يتمثل في مساحة اختلاف نتجت عن اختلافات بيئية وممارسات لغوية ورؤية للعالم لا يمكن أن تتطابق تماماً، وهي اختلافات لا بد أن تؤثر بطريقة أو بأخرى في الإبداع.
والندوة الثالثة تحدثت ورقاتها عن الأعمال السيرية لعدد من الأدباء والرواد وأدارها الدكتور محمد القويزاني وشارك فيها الدكتور صالح بن معيض الغامدي بورقة جاءت بعنوان (نقد السيرة الذاتية في المملكة العربية السعودية) ركز فيها على رصد حركة نقد السيرة الذاتية في المملكة العربية السعودية منذ عام 1400ه -1980م، وتتبع مراحل نموه. كما حاولت تقديم تقويم شامل لأبرز المناهج النقدية التي تبناها النقاد في دراساتهم، وتلمس مدى تأثير ذلك كله في فن السيرة الذاتية نفسه. ثم جاءت مشاركة الدكتور محمد القاضي بورقة تحت عنوان (حسن حجاب الحازمي والرواية السعودية بين الفهم والتأويل) والتي أشار فيها إلى ملاحظة العلاقة الإشكالية في النشاط النقدي بين عملية الفهم وعملية التأويل وهي علاقة كثيراً ما تتخذ صورة التداخل أو الخلط بينهما. وقد رأينا أن نعالج هذه المسألة من خلال دراسة د. حسن حجاب الحازمي الموسومة ب(البناء الفني في الرواية السعودية). وسنعمل على رصد مظاهر التعاضل بين سعي الباحث إلى تدبر النصوص الروائية التي انكب على دراستها وإصداره أحكاماً معيارية عليها. وإذا كان الفهم والتأويل يمثلان طرفي المحور الذي تدور حوله قراءة الحازمي للرواية السعودية فإنهما يمثلان أيضاً طرفي محور المقاربة التي سنعتمدها للحوار مع الباحث؛ لذلك سنحاول بدورنا أن نفهم منهج الحازمي في التعامل مع الرواية السعودية ونخلص في مرحلة تالية إلى تأويل رؤيته هذه وإدراجها في مساق التفكير الأدبي من جهة وتاريخ الأفكار من جهة أخرى.
ورقة الأستاذة هدى عبدالله الدغفق جاءت بعنوان (موقف المؤسسات المحلية من إبداع التسعينيّات)، وتطرقت إلى المواقف العامة لبعض المؤسسات المحلية من الثقافة والفكر والإبداع الأدبي في مرحلة التسعينيات وتحليل تأثير ذلك في فكر وشخصية المثقف السعودي وإبداعه وترتيبها بحسب أهميتها بالنسبة للمثقف وموقف المؤسسات الثقافية والتربوية والتعليمية والفكرية والاجتماعية من الإبداع والثقافة السعودية بشكل عام والعكس في مرحلة التسعينيات وأثر ذلك في إبداع جيل التسعينيات.
الدكتور محمد رشيد ثابت جاءت ورقته بعنوان (النقد في الإبداع الروائي انطلاقاً من رواية تركي الحمد جروح الذاكرة) استعرض فيها رواية تركي الحمد جروح الذاكرة الرواية فيما تثيره من عدد من القضايا ومتنوعها في علاقة النقد بالإبداع في العمل الروائي السعودي المعاصر وتؤكد حاجة ذلك النقد إلى هذا الإبداع ووثيق ارتباط الأول بالثاني. والطريف في رواية (جروح الذاكرة) أنها تطرح القضية السابقة بطريقتين مختلفتين في مستويين متباينين من خطابها الفني: مستوى خاتمة هذا الخطاب حيث يجمع الراوي في الأحداث بين ذاتين مختلفتين مترابطتين: ذات ساردة وأخرى ناقدة، ومستوى الإنجاز الفعلي لكامل كتب الرواية الأربعة وفصولها الخمسة والعشرين حيث تنجز ذات الروائي الساردة ما تطلعت إليه تلك الشخصية في أواخر أطوار حياتها ولم تقدر على تحقيقه رغم ما تجمع لديها من عديد (دفاتر يومياتها)، فكأننا برواية تركي الحمد تجمع في إنشائها الأدبي بين المشروع النظري والفعل الإجرائي فتقدم من ذواتها حلاً لقضية العلاقة بين النقد والإبداع يوجد بين هاتين الكفاءتين في ذات جامعة واحدة هي الذات المبدعة.
الندوة الرابعة تطرقت إلى أوراق المشاركين فيها إلى النقد في المملكة العربية السعودية أدار هذه الندوة الدكتور محمد عبدالله المشوح وشارك فيها عدد من الأدباء جاء في مقدمتهم الدكتور محمد بن مريسي الحارثي بورقته التي جاءت بعنوان (اللحظة الانطباعية في نقد الأدب المعاصر: عزيز ضياء نموذجاً) أشار فيهل إلى مفردات العنوان مفردة مفردة من الوجهتين: الدلالية والوظيفية؛ فاللحظة هي الموقف النقدي، وليست الوحدة الزمانية، والانطباعية تركز على رد الفعل الذاتي أمام مثيرات الإبداع، وحرف الجر الظرفي متعلقة نقد الأدب (الشعر والنثر). والبحث يركز اهتمامه على نقد الشعر؛ إذ لم يكن لنقد النثر كبير اهتمام عند عزيز ضياء. ويقف البحث وقفة سريعة عند الخلط الحاصل بين الحديث والمعاصر بوصفهما زمانين تحقيبيين، وهما ليسا كذلك. والنموذج هو الكاتب عزيز ضياء الدين بن زاهد بن مراد (1332- 1418ه) رحمه الله.
ثم جاءت بعد ذلك ورقة الدكتور حمد بن عبدالعزيز السويلم بعنوان (النقد الانطباعي في المملكة العربية السعودية: علي العمير نموذجاً) والذي أكد أن الناقد علي محمد العمير من النقاد الذين عاصروا تطور الصحافة السعودية، وهو من الذين منحوا العمل الصحفي الطابع الأدبي من خلال كتاباته التي بدأت في الثمانينيات ولا تزال. وقد توقف عند بعض النصوص الأدبية ودرسها دراسة نقدية تعتمد على الانطباعية الذاتية؛ لذلك فهو نموذج صالح لسبر غور هذا الاتجاه والوقوف على أهميته في تطور النقد الأدبي في المملكة. وسوف يقف البحث عند نقد العمير لبعض الشعراء السعوديين، وخاصة الشاعر سعد عطية الغامدي الذي خصّه بجملة من مقالاته المتأخرة، ثم جمعت المجلة العربية هذه المقالات وطبعتها في كتيبها الشهري. ويستند العمير في نقده لشعر الغامدي إلى آراء انطباعية تعتمد على التذوق الذاتي؛ لذلك تحاول هذه الورقة تأمل شعره في ضوء النقد المنهجي الموضوعي لاختبار هذه الأحكام وكفاءتها في تقدير قيمة النص الأدبي الجمالية.
الباحث فهد بن محمد الشريف شارك بورقته بعنوان (تشكلات السخرية في نقد علي العمير) تناول فيها نقد علي العمير الساخر في مقالاته المنشورة التي نقد فيها بعض الأعمال الأدبية أو مراجعاته النقدية للكتب، ومساجلاته مع كتّاب ونقاد آخرين، وعلى الأخص تلك المعارك الأدبية التي خاضها العمير منذ منتصف التسعينيات الهجرية، وأشار الباحث إلى دراسة أبرز معالم النتاج النقدي في المملكة في مرحلة ما بعد الرواد، حيث يأتي علي العمير في أوائل هذه المرحلة التاريخية، كما يعني البحث بتحليل الخطاب النقدي لدى علي العمير في ضوء معطيات التفكير النقدي من حيث المضمون والشكل أو مكونات الخطاب وآلياته.
ثم جاءت ورقة الختام للأستاذ بدر بن علي المقبل التي جاءت بعنوان (قراءة في معالم الخطاب النقدي لدى عبدالفتاح أبو مدين) حيث استعرض الباحث تضاريس الخطاب النقدي لدى أبو مدين يمتاح أهميته من المدة الزمنية التي أصدر فيها منجزه النقدي؛ فهي مرحلة مفصلية في تاريخ النقد الأدبي في المملكة العربية السعودية؛ فأبو مدين أحد الذين أسهموا في إثراء الحركة النقدية بمقالاته التي بدأ كتابتها بين عامي 1369هـ -1370هـ تقريباً، وفي الوقت نفسه قام برعاية هذه الحركة ودعمها بترؤسه - مع مواصلة كتابته النقدية - لنادي جدة الأدبي.
واتخذ الباحث من منجزات أبو مدين - ذات الصبغة النقدية - مصدراً لدراسته، فقد أصدر أبو مدين - حتى الآن - خمسة كتب يمكن تصنيفها ضمن المنجز النقدي السعودي، وهي: (أمواج وأثباج 1378هـ)، و(في معترك الحياة 1402هـ)، و(الصخر والأظافر 1418هـ)، و(حمزة شحاتة ظلمه عصره 1418هـ)، و(الحياة بين الكلمات 1423هـ).
ولأن من أهداف الدراسة الكشف عن المنهج النقدي وربطه بملامح المرحلة التي نشأ فيها، فقد حاول الباحث مقاربة المؤثرات التي جعلت أبو مدين - في إحدى المراحل - اتباعياً حاملاً صولجان التعليم في نقده المدرسي، وجاء نتاج هذه المرحلة متخففًا من متطلبات المنهج النقدي، ومتجاوزاً اشتراطات الكتابة البحثية.
وفي مرحلة أخرى جاء حاملاً لواء المنهج التاريخي، مهملاً أحكامه القطعية، مكتفياً بالبحث والتوصيف، فانعتق في هذه المرحلة إلى أفق أوسع، وبدأت ملامح الكتابة البحثية تظهر في ممارسته، مع سيطرة المنهج الذي نشأ قلمه عليه على منجزه النقدي بشكل عام.