نسمع أن الحكمة تقتضي أن يهتم الإنسان بالأشياء الكبيرة في حياته، ولا يهتم بصغائر الأمور. هذا القول لا أرتاح إليه، ولا أتوقف عن التفكير فيه؛ فأنا لا أرى في الدنيا أمراً كبيراً لا يتشكل من هذه الأشياء الصغيرة التي نطالب بعدم الاهتمام بها؛.....
.....فالهدايا مثلاً أشياء بسيطة في قيمتها المادية، لكنها تحدث في النفوس أثراً يبقى؛ لأنها ترتقي بقيمتها لتحاكي قيمة الإنسان فينا؛ فتغير في النفوس الكثير، وتتغير تبعاً لهذا حياة كاملة بمستوى علاقاتها وتفاعلها مع الآخرين؛ فالحب بين الناس إنما يكبر ويكبر من مجموع أشياء بسيطة أو صغيرة، أو من تراكم أفعال صغيرة كالهدايا والبسمة أو الكلمة الطيبة؛ حتى يكون بالقدر الكبير القادر على فرض سلوك إيجابي يؤسس ويساعد على تكوين علاقات كبيرة دائمة. ومن جانب آخر فإن التهاون في صغائر الذنوب بتكرار فعلها يؤسس لنهاية كبيرة وعظيمة، فلا يكب الناس على وجوههم في النار إلا بتراكم أفعال يقال عنها صغيرة.
ما أراه أن حياتنا هي مجموع هذه الأشياء الصغيرة التي تشكل مشاعرنا وشخصياتنا وقناعاتنا، بل كل شيء ما هو إلا مجموعة أشياء صغيرة تجمعت وتماسكت لتشكل في النهاية ما نراه كبيراً أو ضخماً؛ فالمبنى الذي يعانق في ارتفاع بنيانه السحاب هو في الحقيقة مجموعة لبنات وأشياء صغيرة تجمعت حتى أوجدت هذا الكيان الذي نراه. والحريق الكبير يأتي من شرارة نار صغيرة، وطلاق الأزواج وفراقهم نتاج تراكم أفعال سلبية صغيرة بينهما أهملت حتى تجمعت وكبرت؛ فلم يعد بالإمكان السيطرة عليها، والعارض الصحي البسيط والصغير إن أهمل تحول إلى مرض قد لا يُشفى منه، وهكذا كل كبير نراه ما هو إلا مجموع هذه الأشياء الصغيرة.. أبعد هذا يقال إلا نهتم بالأشياء الصغيرة؟... والله المستعان.
naderalkalbani@hotmail.com