لم يكن تواجدي في لقاء للقضاة النساء من أكثر من أربعين دولة وولاية في الولايات المتحدة الأمريكية تواجداً مقصوداً بحد ذاته، إذ تلقيت بالصدفة دعوة لحضور ذلك اللقاء بينما كنت في رحلة علاج في أمريكا لفت نظري القيمة القضائية للمرأة في العالم وما تتسلح به من قدرة مؤثرة في الجانب القضائي والتركيبة الاجتماعية للبلدان التي انتمت إليها المشاركات في ذلك اللقاء.
وكانت المفاجأة كبيرة عندما علمت أن هناك دعوة قد أرسلت إلى عدد من ممثلي القضاء والقانون السعودي والأكاديمي أيضاً، وأن هؤلاء جميعاً قد اعتذروا عن المشاركة في اللحظة الأخيرة قبيل بدء فعاليات اللقاء!.
وحين أتيحت لي فرصة عن وضع المرأة وما تملكه من حرية الرأي والمكانة الميدانية، وما يتم الآن في المملكة من التوجهات الإصلاحية بشأنها لاحظت الدهشة على وجوه الكثيرين من الحضور الذي غالبيته من النساء حيث لم يكن في اللقاء سوى اثنين من رجال القانون، تلك الدهشة تحولت بعد ذك إلى أسئلة كثيرة حول ما تعانيه المرأة السعودية من العنف الأسري والتهميش الاجتماعي كون اللقاء عقد تحت عنوان (العنف الأسري) وكانت نوعية الأسئلة ومضامينها تدل على فجوة هائلة بينما هو واقع في المملكة، وما هو متخيل في أذهان هؤلاء. ومع أنني حاولت إزالة اللبس والوهم عندهم من خلال بعض المداخلات التي أتيحت لي، إلا أنني حزنت كثيراً للغياب الإعلامي والمعلوماتي عما يدور في وطننا ويغيب عن معظم أنحاء العالم.
فجوة المعلومات هذه قد لا تخلو من تعمد الإساءة للمملكة من البعض الذين استقوا معلوماتهم من مصادر عدائية ومغرضة لا هم لها إلا التشويه والتزوير أو ربما كان ذلك حسداً من عند أنفسهم ومع ذلك فلا يجب أن نعفي أنفسنا من المسؤولية عن غيابنا الكبير والخطير عن العالم في عصر العولمة.
الذي زاد الحزن شدة وأسفاً أن الكثيرات ممن استمعن إلى المداخلات وتفاجأن بعكس ما وقر في أذهانهن أبدين رغبة أكيدة ولهفة واضحة في معرفة المزيد عن المملكة ونساء المملكة، بل ذهب بعضهن إلى التأكيد على أنهن يرغبن في زيارة المملكة والوقوف على هذه المظاهر الإنسانية والحضارية والعلمية للمرأة السعودية.
البيانات التي تصورها منظمات مدنية ودولية ويهاجم بعضها المملكة أو يتحامل عليها إنما تعتمد هذا الجهل بما في المملكة أساساً لبناء تلك الرؤى والآراء دون أن يسعى أي طرف إلى تقصي الحقائق ببراءة وشفافية، هنا تبرز أهمية أن نخرج للعالم بما لدينا من ثقافة إنسانية، ومن مبادئ أخلاقية تعتبر في غاية السمو، لكنها تفسر جهلاً أو عمداً بالتأخير أو الجمود.
علينا ألا ننتظر من الآخرين المبادرة لاكتشافنا، بل إن واجبنا مؤسسات وأفراداً أن نبادر إلى تعريف العالم بنا وبإنجازاتنا وبرؤانا التي تتقاطع مع الرؤى الإنسانية في كل مكان وهو ما من شأنه أن يكون تلبية لنداء خادم الحرمين الشريفين لأبناء شعبه بأن يكونوا سفراء لوطنهم وحماةً لمبادئهم، ومشاركين في الحضارة الإنسانية دون التخلي عن أصولهم وقيمهم.. وتاليتها؟!!