تعتمد تقنية الحاسب الآلي في منطق تشغيلها على وجود قاعدة بيانات (Data Base) ونظام تحليلProcessor).تجعل من الحاسب الآلي قارئاً سريعاً للبيانات ثم محللاً سريعاً لها. وعقول البشر تشبه أجهزة الحاسب.. منها ذو السعة الصغيرة ومنها ذو السعة الكبيرة ومنها البطيء ومنها السريع.. لكنهم كلهم يشتركون في شيء واحد وهو أنهم كلهم يعتمدون في حراكهم وتفكيرهم وتصرفاتهم على مقدار ما لديهم من معلومة.. أي أنهم يعتمدون على قاعدة البيانات المخزنة في عقولهم.. لكن ماذا عن التحليل؟.. هذا شيء آخر ولا يجب أن نتوقعه في الجميع بل في أقل الأقلية.. كما أن التفوق فيه لا يعتمد على عرق أو مذهب أو جغرافيا بل يعتمد على البيئة المحيطة ومقدار التدريب وعوامل أخرى. نظام التحليل في الحاسب الآلي يعتمد على سعة قاعدة البيانات.. فلا فائدة من نظام تحليل فائق السرعة والجودة إذا لم تتوفر قاعدة بيانات كبيرة وجيدة.. كما أن سعة قاعدة البيانات تكون أقل فائدة بوجود نظام تحليل ضعيف وبطيء.. وكذلك الحال مع البشر فلا فائدة من كم المعلومات التي تضخها وسائل الإعلام المقروءة والمرئية إذا كان نظام التحليل لدى المتلقي ضعيفاً أو غير مدرب على التعامل مع تلك المعلومات تقسيماً وتنظيماً وتحليلاً وربطاً ومقارنة.
جهاز الحاسب الآلي ذو السعة الاستيعابية الصغيرة يرفض إدخال أية بيانات جديدة إلا بعد لفظ بعض البيانات المخزنة فيه.. وفي البشر يكون الرفض للآخر والإقصاء له مع الانعزال عنه هي السمات التي تكتنف العقل البشري الضيق.. وإذا كان لفظ المعلومات من جهاز الحاسب الآلي سهلاً.. فإن لفظ الأفكار والقيم البالية من العقل البشري صعب جداً.. فهو يعني تغيير اتجاه حياة بكل ما تعنيه من تغيير أسلوب رأي وتغيير معيشة.
جهاز الحاسب ذو السعة الاستيعابية العالية يمكن أن يستمر طويلاً في استقبال المعلومات وإدخالها ويضيف إلى مخزونه وبشكل يتجاوز حدود عمل وإمكانيات مستخدمه الشخصي.. وفي البشر من وهبه الله سعة الإدراك والاستيعاب فيظل يضيف إلى مداركه ومخزون معارفه حتى يموت.. هؤلاء يقبلون التغيير ويتفاعلون مع المحيط ويدركون أن للحياة معنى نحياه.. وأن الحياة ليست ذكرى بل واقع ومستقبل.
الفرد في وطننا كما في كل أنحاء العالم يتلقى هذه الأيام كماً هائلاً من المعلومات والتوجيهات والأفكار والصدق والكذب والآراء التي تعتمد على نصف الحقيقة أو أحد وجوهها.. هذا الفرد كيف يتم تجهيزه وتدريبه لمواجهة هذا الفيض من توجيه الرأي العام؟.. وأقصد بتجهيزه رفع قدرته على التلقي والتحليل والاستنتاج.. فهذه هي الوسائل المهمة في تحصين الفرد.. وحمايته من أن ينقاد لرأي مجتزأ أو فكر منحرف أو توجيه باطل أو تأليب عدواني آثم.