يا لها من صدفةٍ عجيبة حينَ أبلغتني إحدى الأخوات، هناك من تبحث عني وتتوق للقائي لتخبرني عن أوجاعها المستديمة التي لا تنام!
وسرعان ما شرعت نافذة قلبي لاستقبال معاناتها؛ وإن كنت لا أعلم شيئاً عنها سوى أنها تريد أن تفضي لي بما لديها.
حصلتُ على هاتف منزلها واتصلت عليها مراراً ولا مجيب!
وعاودت الكرة ثانية وثالثة دون جدوى. بدأت استسلم لليأس، بيد أن هناك شيئاً خفياً يدفعني لعدم رفع الراية البيضاء ومواصلة البحثُ لمن هي بحاجة ماسة إليّ.
وبعد محاولة مضنية بين شكٍ ويقين، أجابتْ: بصوتٍ غريق في صداه.
التقطت أنفاسي المتهدجة وأجبتها بحنانٍ. فسكبت على سمعي أوجاعها الثقيلة.
كان صوتاً يحمل ظلال الكآبة!
قالت: أنا لا أريد منك شيئاً سوى أن تنقلي جرحي عبر صحيفتكِ الجزيرة لكي تكون عبرة وعظة لكل فتاة.
ازداد تعطشي لكلماتها وصوتها الذي يزداد عمقاً وألماً. وشحذت كل حواسي منصتة لما تقول.
أبلغتها بانشغالي بامتحان في غاية الصعوبة وطلبت منها على استحياء كتابة ما أردت عبر وريقة. لكنها أجابتني: لن آخذ من وقتك الكثير!
احترمت شجنها وعبراتها في صوتها بدأت حديثها بإلقاء آهة ثقيلة شقت نياط القلب.
قائلة: أنا سيدة أعيش في (الرباط) سكن المقطوعين والمحرومين، أعمل هناك بعد أن كشرت لي الدنيا عن أنيابها.
تزوجت من رجلٍ من دولة الحبشة وليتني لم أفعل!
رزقت منه بابنة شربت كأس العلقم بل المرار معه.
كان زوجي عاطلاً عن العمل يفعل ما يحلو له من المحرمات... كلّ حياته نوم وسهر وفراغ فراغ... طويل لا أكثر...!
استوقفتها قائلة: وأين هم أهلكِ؟
أجابت وزفرة طويلة تتخلل إجابتها: في دولة مصر؛ لا يمكنني السفر إليهم فهو يمنعني لأني احتضن ابنتي ويود أن يأخذها إن غادرت الوطن ويكون له الحق في ذلك!
وأكملتْ عصارة ألمها قائلة: أنا أتقاضى مبلغاً بسيطاً من الرباط الذي أعمل فيه وكذلك أجاهد نفسي لدراسة اللغة الإنجليزية!
هتفت بسعادة بالغة يا لكِ من إنسانة عصامية مرحى لكِ بذلك أنا سعيدة بما أسمع! شعرتُ حينها أنني خرجتُ من قوقعة الألم للحظات؛ لكنها عادت وأراقت جراحها من جديد.
أنا من يتكفل بنفسي وابنتي ولا معيل لنا سوى الله!
أكملت معاناتها: مهما حاصرني الشوك فإنني قادرة على اقتلاعه. ما يؤلمني أخشى على صغيرتي من والداها فقد توجه إلى المحكمة لأخذها عنوة مني.
قاطعتها بنبرة دافئة: ثقي لن يحكم له القاضي بها مادام الزوج ليس أهلاً لرعايتها وحمايتها لأنه لم يستطع حماية نفسه.
شعرت بأسارير الراحة سكنت حنايا قلبها هُنيهة، ورددت أعلم ولكن الأب أمره مشكوك فيه.
ولا زالت المحاكمة لم تنته في داخلها بعد، فهي ترى الحياة قضبان عالية لا نهاية لها.
آخر جراحها كانت. أريد أن أنقل جراح صوتي لكل فتاة سعودية قبل أن تقدم على الارتباط برجلٍ من غير بلدها.
فرحلة السعادة قصيرة سرعان ما تنتهي وتصحو من ذاك الحلم الوردي لتجد نفسها في عالم مأهول بالشوك!
هذه حزمة آهات والآلام تسهدها وتقض مضجعها!
قلتُ في نفسي كيف يمكن أن يصور المرار الذي سكبته وأي جهاز له القدرة على تصوير ذاك الشجن الملح الذي لا حد له ما من بداية بيضاء سوى صبارة نبتت في جوفها!
قد تكون صرخة من عمق الزجاجة لكل فتاة تعزم الارتباط برجل من دولة ما.
وأسدلتْ ستار الصمت على معاناتها التي أزخمها الوجع.. بكلماتٍ مقتضبة: هذه رسالتي لكل فتاة لتستفيد من تجربتي ومما عانيت كي لا تكرر الخطأ ذاته.
تخونني الكلمات لكنني على يقين عميق بأنها تقرأني في صمتي. ربما لم يستطع قلمي أن يسجل صوت احتراقها.!
ها أنا أنقل عبر حروفي صرخاتها ودموعها وكلي دعاء لينصفها القاضي ويقف إلى جانبها.
وليس لنا إلا القول إليه المشتكى ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.