سيكون من المناسب الاستفادة من معطيات الواقع المفجع الحالي للأمة العربية فيما يتصل بحالة التشتت والانقسام، من أجل إطلاق محاولة جادة تستقصي الأسباب وصولاً إلى عواملها الظاهرة والمبطنة أملاً في الخروج إلى ساحة يمكن فيها تكريس الإيجابيات اعتماداً على أسس التلاقي والتواصل والإرث المشترك والآمال والتطلعات الواحدة..
وإلا فإن الحالة التي كشفت عنها القمة ستكون في غياب المعالجات الجادة مجرد إيذان فقط بحالة ربما أكثر سوءاً للعلاقات العربية العربية، وهذا أمر سينعكس بالطبع على كافة قضايا الأمة مع تكبيل تطلعاتها نحو آفاق واعدة من النمو والتطور..
ومن المهم في كل تصور جاد نحو الخروج من أزمة العلاقات الراهنة أن يكون هناك استصحاب لأولوية المصلحة العربية العامة، بالطبع لا يصح أن تكون البداية مجردة من الأمثلة الحقيقية الفاعلة على أرض الواقع، فمن الواضح أن الإقدام بكل جد نحو حلحلة بضع المشاكل على الساحة العربية وبإرادة صادقة وتجرد تام من الأهواء ومن نزعات التشفي ومن أشباح التدخلات، ربما قد تشكل بداية طيبة..
على الساحة العربية الآن نقاط تجاذب وتنافر، ولعل الحالة اللبنانية تشكل محوراً مهماً من محاور التنافر، نظراً لحالة الاستقطاب المتولدة عنها، وقد يكون مفيداً أن تحاول الدول العربية، مثلما طالب الكثيرون، تجاوز هذه المحنة، من خلال التوافق على اللجوء إلى الوسائل الناجزة في هذا المقام، وأمامنا المبادرة العربية التي تشكل قاعدة طيبة للانطلاق منها..
لقد سمعنا في القمة التأكيدات تلو الأخرى من الدولة المضيفة ومن آخرين عن عزم على ضرورة الحل في لبنان، فيما دعا سمو وزير الخارجية الدولة المضيفة للقمة إلى (أن تساهم وأن تكون الأساس في حل المشكلة اللبنانية) مبدياً سموه الكثير من التأكيدات على أنه لا توجد محاولات لعزل سوريا..
ومن هنا فإنه من البديهي أن تكون الأولوية للمسألة اللبنانية طالما أنها تشكل سبباً رئيساً لحالة الانقسام الحالية في الصف العربي، وإذا كانت هناك إرادة حقيقية من قبل دمشق للتقدم باتجاه التسوية فإن شوطاً كبيراً يكون قد تم قطعه نحو إعادة اللحمة للصف العربي، فمثل هذا التحرك من قبل دمشق إذا تحقق، فإنه سيعزز من عوامل الاستمرار نحو إعادة العافية إلى الأمة العربية بل وإمكانية تمتعها بنوع من التواصل المفقود بين بعض دولها انطلاقاً مما يمكن أن يوفره العمل المشترك المخلص نحو تسوية إحدى معوقات العلاقات..
ويستلزم الأمر هنا في المقام الأول التجاوب مع مقتضيات الواقع العربي المتطلع دوماً الى تحجيم التدخلات وإبعادها عن بيئة العمل العربي المشترك، وكلما أمكن الابتعاد عن خلط ما هو إقليمي مع ما هو عربي صرف كلما أمكن إنجاز الكثير من العمل على قاعدة تغليب المصلحة العربية على ما عداها، أما إذا ظلت بعض القوى العربية رهناً لما هو إقليمي من خلال الاندماج مع التصورات والاستراتيجيات الخارجية بحيث تتفوق في تصورات هذه القوى على ما هو خاص فإن الأزمة في العلاقات ستظل قائمة بل ربما تستفحل أكثر مما هي عليه الآن.
***
لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب«9999» ثم أرسلها إلى الكود 82244