اختار عدد من الكتَّاب الكتابة بشكل مستمر عن موضوع سكن المرأة في الفندق بدون محرم والاكتفاء بالبطاقة الخاصة بها، وقد ورد هذا التعميم للفنادق للسماح بذلك. وقد أخذ الموضوع حيزاً من الردود بين المعارضين للتعميم وأنصاره.
إلا أن ما استوقفني عند هذا الأمر هو أن أنصار القرار رأوا فيه وكأنه القضية الأهم في حياة المرأة وصفقوا له وكأن كل نساء البلد من الغد سيسكُنْ الفنادق بدلا من بيوتهن، وكأن سكنها في الفندق وحدها إنجاز لنا ولها وقد تحقق.
إن سكن المرأة للفندق بدون محرم ليس أهم ما يجب تناوله بالحلول في حياة المرأة، وهناك الأهم؛ فهي بحاجة إلى القبول في الجامعات، بحاجة إلى التوظيف، بحاجة إلى أن يتم النظر في وضعها كمعلمة من حيث مكان التعيين وتوفير وسائل النقل حتى ولو كان مقابل مبالغ رمزية بدلا من تركهن ضحايا لحوادث الطرق بسبب لجوئهن لسائقين، إما من كبار السن المتقاعدين أو من المتعاقدين أو من الذين وفدوا كمحارم مع أزواجهن ولم يرقبوا في المعلمات إلاًّ ولا ذمة، بل وجدوا فيهن سلعة تجارية مربحة، ووجدت المعلمات أنفسهن مرغمات، فيذهب ربع المرتب للنقل، وفي سيارات عتيقة، إنهن بنات الوزارة، ولا يعني أنه لا دخل للوزارة في مسألة النقل أن تنظر في هذا الأمر يكون الدافع والمحرك لاتخاذ القرار مراعاة ظروف المعلمات وما وقع لهن من حوادث مؤلمة أبكت الصخر وهن يودعن الفجر ويرحلن مسافرات مع وعد بأننا (قد) نعود، وكم معلمة ودعت أمها ولم تعد!
المرأة بحاجة ممن يدَّعون أنهم من أنصارها أن يدعموا حقوقها في الميراث، وقد أكله الإخوة بسبب أنها عند (الغريب)، وبحاجة إلى صيانتها من العنف من الابن والأخ والزوج الذي (يلهف راتبها) إذا كانت موظفة، وإذا لم تدفع فحياة الويل والثبور، ومن الأب الذي قد يقسو بغير قلب، وقد يقتل ويعذب ويحرم حتى يحول حياة البنات إلى جحيم حتى سمعنا بمن تنتحر وتهرب من المنزل وتترك المدرسة وتموت موتا بطيئا بسبب العزلة والأمراض الفاتكة بالنفس، وأكل راتب الموظفات من بناته إذا لم يكن يحمل في قلبه الشفقة.
أنا وكثير في الداخل والخارج يعلمون بأن المرأة لدينا تحظى برعاية وعناية، وقد برزت في مهام ومناصب وظيفية كأستاذة جامعة وإدارية وسيدة أعمال ومعلمة وموظفة في قطاع حكومي وخاص ومبتعثة في الخارج للدراسة وتحضير الدراسات العليا وطبيبة ولدينا كاتبات وقاصات وشاعرات وأديبات.
فماذا يريدون أكثر للمرأة! صحيح أن المرأة تعاني في بعض القصص من ظلم الولي، وقد تجد صعوبة في قضاء شؤونها ولكن هناك من النساء من يقوم وليها بكثير من مهامها وأعمالها ومجتمعنا مجتمع مترابط، فتجد أن هناك صلات وثيقة وعرى ثابتة وقيم عالية تحفظ للمرأة كيانها ويرفض أن توضع المرأة في مكان لا يليق بها لأنها أنثى متى خرجت عن حيائها وإطارها الأنثوي الذي يزينها تصبح سلعة في نظر الآخرين الذين يسعدهم رؤيتها في غير الصورة التي تجد نفسها معززة مكرمة فيها، ولعلمكم بأن موضوع سكن المرأة في الفندق وحدها سيفتح باب التمرد للمرأة على زوجها وأسرتها؛ لأن السكن توفر.. كثير من الكتاب الذين نعرفهم عبر صحفنا وما فتئوا في جعل المرأة مادتهم الصحفية كل يوم لم يجدوا سوى موضوعات قيادة المرأة للسيارة، ويخوفون الناس بخطورة وجودها مع السائق ولا يرون وجودها في السيارة وحدها مشكلة ويعزفون على رياضة المرأة برغم أنني لا أرى حرجا في ممارستها بالمدرسة ولو كنوع من تجديد نشاط الطالبات، ولكن موضوع فتح أندية نسائية شيء آخر، برغم أن الأندية النسائية موجودة باسم مراكز صحية وسنجد أننا قد نقبلها كفكرة، ولكن ما أخشاه أن دعوتهم في الغد بإجراء مسابقات نسائية وإشراك الفتاة السعودية في الألعاب الأولمبية ستكون معزوفتهم القادمة، ومثلما قاسوا قيادة المرأة للبعير في ذاك الزمن الجميل سيقيسون الرياضة بمسابقة السيدة عائشة -رضي الله عنها- للرسول - صلى الله عليه وسلم- فتواهم القادمة للدلالة على فتح أندية نسائية ورياضات محلية وعالمية! وأجد أنصار المرأة المعروفين يستدل باستئجار امرأة لسيارة للنوم لرفض الفندق إسكانها وأنا أسأل سعادته: وهل هي مقطوعة من شجرة؟
المرأة في بلدنا.. ما أعلمه أنا أنها مرتاحة، وهناك البدائل ولا يشغل بالها أو عقلها ما أشغل به هؤلاء الكتاب زواياهم وأقلامهم وعقولهم، ولم تفوض المرأة الرجل ليقوم بالحديث عنها والكتابة عن حقوقها لأنها تعرف مصلحتها وما يضرها وما ينفعها وما تمليه عليها عقيدتها، ولا تريد المرأة في بلدنا أن تخدش مشاعرها بالحديث عنها بشكل مستمر، وكأنها سلعة وهي تعلم أن المرأة في الغرب بدأت منذ سنوات العودة إلى منزلها، بعد حدوث حوادث الاغتصاب والتحرش الجنسي، ومنذ سنوات فصلت أمريكا في عهد بوش الابن البنات عن البنين في المدارس بعد عشرات القصص من الاغتصاب والتحرش، والمرأة في بلدنا لا تريد أن تكون راقصة ولا مغنية وهي تعلم أنها كريمة، والرسول - صلى الله عليه وسلم- أوصى بها في خطبة الوداع (استوصوا بالنساء خيرا) وقال: (رفقا بالقوارير) فيا كتاب الفكر دعوا المرأة وشأنها، ولا تحاولوا إخراجها من حيائها وكامل أنوثتها وما تحظى به من كرامة وهي محمودة في مكانها.